خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً
١٩
إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً
٢٠
وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً
٢١
-الكهف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ } يعنى كما انمناهم آية غريبة بعثناهم آية اخرى { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } عن حالهم فيعرفوا انّ حالم اغرب من ان يعرف، وانّ صنع الله بهم لا يعرف كنهه ويزداد يقينهم فى امر البعث { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ } اى الآخرون { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } بناءً على ما هو المعتاد من النّوم وذلك قبل ان نظروا الى تغيّر حالهم وطول شعورهم واظفارهم وبعد ما نظروا الى ذلك { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } والاوّل كان لبعضهم وهذا لبعضٍ آخر، ولمّا رأوا انّه لا طريق لهم الى معرفة ذلك اعرضوا عنه واخذوا فيما يهمّهم من الحاجة الى الغذاء وقالوا { فَٱبْعَثُواْ } يعنى اذا لم تقدروا على معرفة ذلك فابعثوا { أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ } الورق الفضّة المسكوكة { إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } واسمها كما نقل كان طرسوس او افسوس { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ } اىّ اهلها او اىّ الاطعمة { أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ } فى المعاملة حتّى لا يغبن او فى التّخفىّ حتّى لا يعرف { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } ان يطّلعوا او يظفروا بكم { يَرْجُمُوكُمْ } يقتلوكم اشدّ قتلةٍ { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ } وقد انعم الله عليكم بالنّجاة منها { وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً وَكَذٰلِكَ } يعنى مثل اطّلاعنا ايّاهم على حالهم وطول مدّة منامهم ليزدادوا بصيرة بقدرتنا وعودهم الينا { أَعْثَرْنَا } غيرهم { عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ } يعنى المطّلعين { أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } بالبعث والاحياء بعد الاماتة { حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا } فى اتيانها، روى انّه قد رجع الى الدّنيا ممّن مات خلق كثير منهم اصحاب الكهف اماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعةً ثمّ بعثهم فى زمان قومٍ انكروا البعث ليريهم قدرته؛ وهذا الخبر يدلّ على انّهم ماتوا فى تلك المدّة كما انّ بعض الاخبار يدلّ على انّهم ناموا، ونقل انّ المبعوث لمّا دخل المدينة انكرها وتحيّروا خرج الدّرهم وكان عليه اسم دقيانوس فاتّهموه بانّه رأى كنزاً واخذوه وذهبوا به الى الملك وكان نصرانيّاً موحّداً فقصّ القصّة عليه فقال بعض الحاضرين: انّ آباءنا اخبرونا انّ جماعةً فرّوا فى زمن دقيانوس بدينهم لعلّهم هؤلاء، فانطلق الملك واهل المدنية جميعاً الى الكهف ورأوهم وكلّموهم ثمّ قال الفتية نستودعك الله ايّها الملك، ورجعوا الى مضاجعهم فماتوا ودفنهم الملك، وقيل: تقدّمهم المبعوث، وقال اخبرهم لئلاّ يفزعوا فعمى عليهم باب الكهف فبنوا هناك مسجداً { إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } ظرف لأعثرنا والمعنى اعثرنا عليهم اذ يتنازع الفتية امر نومهم قلّةً وكثرةً او يتنازع اهل البلد امر الفتية من حيث دفنهم وتركهم كما كانوا واخذ المسجد عليهم، او اذ يتنازع المطّلعون امر دنيهم وامر البعث بينهم بالانكار والاقرار ببعث الارواح دون الاجساد او بعث الارواح والاجساد جميعاً او ظرف ليلعموا، والمعنى ليعلم الفتية علماً شهوديّاً بعد ما كانوا علموا يقينيّاً اذ يتنازعون بينهم امرهم فى نومهم ومدّته، او ليعلم المطّلعون انّ وعد الله حقّ اذ يتنازعون بينهم امر بعثهم { فَقَالُواْ ٱبْنُواْ } عطف على يتنازعون عطف التّفصيل على الاجمال على بعض الوجوه، او عطف على اعثرنا { عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً } يحفظ اجسادهم من السّباع والانظار { رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } من تتمّة قولهم يعنى اتركوهم على حالهم ولا تجسّسوا وابنوا عليهم بنياناً، او معترضة من الله يعنى ربّ الفتية اعلم بحال الفتية او بحال امتنازعين فيهم، او ربّ المتنازعين اعلم بحالهم من ارادة الخير او الشّرّ فى نزاعهم وما قالوه { قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ } امر الفتية او امر اهل البلد من الرّؤساء، او قال الّذين غلبوا على امر انفسهم بالاسلام وغلبتهم على الشّيطان { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } معبداً يعبد فيه ويزار ويتبرّك.