خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً
٤٨
وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً
٤٩
-الكهف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً } مصطفّين صفوفاً عديدةً كما ورد انّهم فى ذلك اليوم مائة وعشرون الف صفٍّ وذلك بحسب مراتبهم فى القرب والبعد، فانّ بنى آدم بسحب الظّاهر نوع واحد ولكنّهم بحسب الباطن انواع عديدة ولهم مراتب عديدة وكلّ نوع منهم فى مرتبةٍ منها مصطفّ بحسب افراده، ولكلّ مرتبة وصفٍّ نبىٌّ وامامٌ غير من كان للصّفّ الآخر ولذلك كانت الانبياء (ع) بعدد الصّفوف مائة وعشرين الفاً بحسب عدد مراتب بنى آدم { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا } استيناف جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كانّه قيل: وما تفعل بهم؟ - وما تقول لهم؟ - فقال: نقول لهم لقد جئتمونا، او حال عن فاعل نسيّر او فاعل حشرنا او مفعوله او فاعل لم نغادر او ضمير منهم او فاعل عرضوا منفرداً او على سبيل التّنازع والكلّ بتقدير القول يعنى نقول لهم لقد جئتمونا منفردين عن الازواج والاولاد والعشائر والمؤانسين وعمّا كسبتم فى الدّنيا من المعايش وعمّا كسبتم من العلوم والصّنائع الخياليّة الدّنيويّة، وعمّا اعطيناكم من القوى والمشاعر الدّنيويّة وعن الاعضاء والآلات البدنيّة الطّبيعيّة، وعمّن اتّخذتم اولياء من دون الله وذلك كقوله تعالى لقد جئتمونا فرادى { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } عراة عن ذلك كلّه والتّقييد باوّل مرّة للاشارة الى انّ الاعادة خلقة اخرى ثانية او للاشارة الى انّ الانسان من بدو خلقته كلّ آنٍ فى خلقةٍ اخرى ثانية بناءً على الحركة الجوهريّة، او على تجدّد الامثال، او على تحلّل بدنه واتّحاده مع بدنه، او على تبدّل كيفيّاته { بَلْ زَعَمْتُمْ } لمّا كان قوله لقد جئتمونا ردّاً عليهم فى زعمهم عدم البعث كأنّه قال لقد جئتمونا وما زعمتم المجيء بل زعمتم عدمه حسن الاتيان بكلمة بل { أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } اى كتب اعمال الخلائق على ان يكون اللاّم للاستغراق، او الكتاب الّذى فيه اعمال الخلائق من الالواح العلويّة على ان يكون اللاّم للعهد، او وضع الكتاب كناية عن نشر الحساب اذا المحاسب يضع كتاب الحساب بين يديه والمراد بوضع الكتاب على الاوّلين وضعه بين ايديهم، او على ايمانهم، وشمائلهم او فى الميزان بناء على انّ صحائف الاعمال توزن { فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } ممّا ثبت فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها { وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا } على طريق يا حسرتنا من تنزيل الاعراض منزلة ذوى العقول ثمّ ندائها { مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ } تعجّبوا منه ومن احصائه جميع اعمالهم وقد رسم فى المصاحف فصل لام لهذا الكتاب من مدخوله اشعاراً بانّهم من غاية دهشتهم يقفون على الجارّ الّذى هو كالجزء من الكلمة { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً } فعله صغيرة او سوأةً صغيرة { وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } الاّ عدّها { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ } جزاء ما عملوا او نفس ما عملوا بناءً على تجسّم الاعمال او رسم ما عملوا فى الكتاب { حَاضِراً } والاوّلان اولى للتّأسيس { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } بنقص ثوابٍ منه او بالعقوبة له من غير استحقاقٍ، او باظهار مساويه واخفاء محاسنه، او بنسبة ما لا يفعله من المساوى اليه، فى الخبر: اذا كان يوم القيامة رفع الى الانسان كتابه ثمّ قيل: اقرأ فيقرأ ما فيه فيذكره فما من لحظةٍ ولا كلمةٍ ولا نقل قدمٍ الاّ ذكره كأنّه فعله تلك السّاعة فلذلك قالوا: يا ويلتنا (الآية).