خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً
٦٠
-الكهف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ } واذكر تعلّماً او ذكّر تعليماً.
اعلم، انّ فى قصّة موسى (ع) وخضر (ع) انواعاً من العبر وتعليماً لكيفيّة الطّلب وانّ الطّالب لطريق الآخرة ينبغى ان يكون همّته الوصول الى الانسان الكامل الّذى هو مجمع بحرى الوجوب والامكان ومرآة تمام الاسماء والصّفات الحقّّيّة وجميع الحدود والتّعيّنات الخلقيّة وان يكون له عزم فى الطّلب الى انقضاء عمره، وتعليماً لكيفيّة المسئلة بعد الوصول ليحصل له القبول، ولكيفيّة الصّحبة بعد القبول، وبياناً لاوصاف الشّيخ وانّ الشّيخ كيف ينبغى ان يربّى ويروّض، وبياناً لتمام مقامات السّالكين الى الله كما يأتى كلّ فى مقامه. والفتى والفتاة يقالان للعبد والامة، وللخادم والخادمة، وللمطيع والمطيعة، وللمؤمن والمؤمنة، ولصاحب الفتوّة الّذى يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، وللشّابّ والشّابّة، والمراد به ههنا يوشع بن نونٍ (ع) وصّى موسى (ع) ودليل ارشاده وواسطة بيعته وخليفة نبوّته وكان فتاه بتمام معانيه حيث انّه باع نفسه من الله بواسطته، وكان خادمه ومطيعه، ومؤثراً له على نفسه وشابّاً بروحه، وكان سبب طلب موسى (ع) بعد مقام الرّسالة وفضل العزم كما يستفاد من الاخبار انّه لمّا كلّمه الله وآتاه الالواح وفيها كما قال الله:
{ { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [الأعراف:145] رجع الى بنى اسرائيل فصعد المنبر واخبرهم بما اعطاه الله، فدخل فى نفسه انّه ما خلق الله خلقاً أعلم منه فأوحى الله الى جبرئيل: ادرك موسى (ع) فقد هلك وأعلمه انّ عند ملتقى البحرين عند الصّخرة رجلاً اعلم منك فصر اليه وتعلّم من علمه، فنزل بجرئيل (ع) واخبره وذلّ موسى (ع) فى نفسه وعلم أنّه اخطأ ودخله الرّعب وامر فتاه يوشع (ع) ان يتزوّد لطلب ذلك الرّجل.
اعلم، انّ العجب ورؤية الكمال من النّفس من اعظم المهلكات فانّه اصل معظم المعاصى واوّل معصية وقعت فى الارض لانّه الّذى منع ابليس من السّجود واوقعه فى الاستكبار، ثمّ الحقد والعداوة، ثمّ المكر والخديعة اعاذنا الله منه وجميع المؤمنين، بل نقول: ارسال الرّسل وانزال الكتب ومعاناة الانبياء (ع) ومقاساة الاولياء (ع) وطاعات الخلق ومجاهداتهم وامتحان الله لهم وابتلاؤهم بانواع البلاء لخروجهم من الانانيّة ورؤية النّفس ولذلك قيل: تمام اهتمام المشايخ فى تربية السّلاّك لان يخرجوا من الانانيّة ونسبة شيءٍ من الافعال والاوصاف الى انفسهم فاذى رأى الشّيخ من السّالك رؤية النّفس والاعجاب بها انزجر منه كمال الانزجار { لاۤ أَبْرَحُ } عن السّير والطّلب { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } بحرى الرّوم والفارس الّذى وعد الله تعالى موسى (ع) لقاء مجمع بحرى الامكان والوجوب عنده { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } الحقب الدّهر والزّمان لكنّ المراد كما فسّر فى الخبر ثمانون سنةً دلّ موسى (ع) بلفظ لا ابرح الّذى يدلّ على دوام السّير ولفظ الحقب الّذى هو منتهى ما يمكن من عمره على ثبات عزمه على الطّلب بحيث لا يشغل بغيره حتّى يصل الى مطلوبه او يفنى عمره فى طلبه، والمقصود من نقله تعليم طريق الطّلب وثبات العزم عليه وانّ الطّالب لطريق الآخرة ينبغى ان يكون كذلك والاّ رجع بخفىّ حنينٍ.