خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
١٦٤
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فهو استئناف فى مقام التّعليل وجمع السّماوات لتعدّدها حقيقة بخلاف الارض وآيات خلق السّماوات الدّالّة على صانعٍ حكيمٍ عليمٍ قادرٍ ذى عناية بالخلق رحمنٍ رحيمٍ كثيرة خارجة عن احصاء البشر وما أحصوه منها لا يحيط به البيان من وضع أفلاكها الكلّيّة والجزئيّة المحيطة وغير المحيطة وحركاتها الجزئيّة والكلّيّة المختلفة بالسّرعة والبطوء والاقامة والاستقامة والرجعة والشرقيّة والغربيّة المنضبطة فى اختلافها المنوط بها نظام مواليد الارض من توليدها وبقائها واستكمالها فى ذاتها وصفاتها ووضع كواكبها واختلافها بالقرب والبعد من الارض وشدّة النّور وضعفه وعظم الجرم وصغره والتّسخين والتّبريد وظهور آثارٍ منها فى الارضيّات وغير ذلك ممّا فصّل فى علم الهيئة والنّجوم وأحكام النّجوم وكذا آيات خلق الارض من تحيّزها حول المركز بحيث يمكن تأثير السّماويّات فيها من جوانبها ودورانها حولها وتحيّز الماء حولها وخروج بعض سطوحها عن الماء لامكان توليد المواليد البرّيّة عليها وتوليد الماء فى جوفها ووضع الجبال عليها وانحدار سفوحها لامكان جريان العيون عليها وامكان اجراء القنوات فيها وجعلها غير ليّنة غامرة وغير صلبة صعبة البناء عليها متماسكة يتماسك البناء عليها وغير ذلك من المنافع الكثيرة الّتى لا يحصيها الاّ الله والآيات المستنبطة من كيفيّة تعانقهما ومحبّتهما وتأثير كلّ وتأثّرها من الاخرى كثيرة ايضاً. { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } اى تعاقبهما ومجيء كلّ خلف الآخر او اختلاف كلٍّ منهما فى ازمان السّنة بالزيادة والنّقصان او اختلافهما بزيادة أحدهما على الآخر فى أغلب الاوقات وباختلافهما فى الصّفات والآثار آيات عديدة دالّة على صانعٍ حكيمً قادرٍ رحمنٍ رحيمٍ { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } يعنى فى جعل الماء مائعة سائلة وجعل موادّ الفلك بحيث تطفو على وجه الماء وهدايتكم الى ترتيبها بحيث يجريها الرّياح على وجه الماء غير خارجة عن اختياركم وفى الآثار المترتّبة على الفلك وسرعة سيرها مع عدم احتياجها الى مؤنة من حمل اثقال كثيرة الى بلاد بعيدة آيات عديدة دالّة على صانعٍ حكيمٍ قديرٍ ذى عناية بالخلق { وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } من جهة الفلك او من جهة العلو { مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } بتهييج قواها وانبات نباتها وتوريق أشجارها { وَبَثَّ } عطف على أنزل الله اى فيما بثّ من الحشرات والانعام والسّباع وأصناف الانسان، او عطف على أحيا اى فيما أنزل من السّماء فأحيا بسببه الارض وبثّ بسببه { فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } ولفظة من على الاوّل بيانيّة، وعلى الثّانى تبعيضيّة ووجة سببيّة المطر لبثّ الدّوابّ انّ توليد المتولّدات من الحشرات انّما يكون برطوبة الارض والهواء الممتزجة بحرارة الشّمس المختلطة بالاجزاء الارضيّة المتعفّنة بسبب الحرارة وبقائها وبقاء المتولّدات وتعيّشها انّما يكون بسبب كثرة نبات الارض الحاصلة من كثرة رطوبة الارض والهواء الحاصلة من كثرة المطر { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ } الّذى به تبديل الهواء حتّى لا يركن فيتعفّن فيفسد أمزجة الحيوان والنّبات وحتّى يذهب بالهواء العفن ويبرد ابدان الحيوان والنّبات بتبديل الهواء المجاور المتسخّن بالمجاورة والرّكون، وتنتفعون به فى معايشكم باجراء الفلك واقلال السّحاب وتمييز الحبوب من الاتبان { وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } بحيث يحمل الاجزاء الرّشّيّة المائيّة ويستحيل اليها اجزاء هوائيّة فيذهب بها الى مواضع أمره الله بالامطار فيها فيمطر بحيث ينتفع الارض به من أنواع المطر لا بحيث يفسد الارض وعماراتها ومواليدها وقد يأتى بالثّلج فى وقته او بالبَرد فى محلّ ينتفع به وقد يأتى بالمطر او الثّلج او البرد بحيث يكون ضررها اكثر من نفعها اذا أراد الله بقومٍ ضرّاً { لآيَاتٍ } دالّة على صانعٍ عليمٍ حكيمٍ قادرٍ لا يشذّ عن علمه شيءٌ رحمن رحيم كما اشير اليها { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يدركون بالعقول لا بالمدارك الحيوانيّة او لقومٍ صائرين عقلاء، والاتيان بالمضارع للدّلالة على حدوث العقل بعد ان لم يكن لا لغير العقلاء ممّن كانوا كالانعام او هم أضلّ فانّ العاقل يدرك من الاشياء دقائق الحكم المودعة فيها واسبابها ومسبّباتها لا غيره.