خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ
٢٤٨
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

بيان التّابوت والسّكينة
{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ } لالزامهم بعد ما رأى انكارهم بقياسهم الفاسد { إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ } امّا فعلوت من تاب اذا رجع فانّه كان سبباً لكثرة مراجعة صاحبه الى الله ولكثرة مراجعة الله عليه، او فلعوت مثل طاغوت من تبى يتبوا ذا غزا او غنم فانّه كان سبب الغلبة والغنيمة فى الغزاء، ويجوز ان يكون وزنه فاعولاً وان كان نحو سلس وقلق قليلاً فان بتّوتاً مثل تنّور بمعنى التّابوت يدلّ على انّه فاعول وكان ذلك التّابوت هو الصّندوق الّذى انزله الله على امّ موسى فوضعته فيه وألقته فى اليمّ وكان فى بنى اسرائيل يتبرّكون به فلمّا حضر موسى (ع) الوفاة وضع فيه الالواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوّة وأودعه يوشع وصيّه فلم يزل التّابوت بينهم حتّى استخفّوا به وكان الصّبيان يلعبون به فى الطّرقات فلم يزل بنو اسرائيل فى عزّ وشرف ما دام التّابوت بينهم فلمّا عملوا بالمعاصى واستخفّوا بالتّابوت رفعه الله تعالى عنهم فلمّا سألوا النّبىّ وبعث الله تعالى طالوت اليهم ملكاً يقاتل ردّ الله عليهم التّابوت كما قال الله تعالى { إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } قد اختلفت الاخبار فى بيان السّكينة وفى خبرٍ انّها ريح من الجنّة لها وجه كوجه الانسان وكان اذا وضع التّابوت بين ايدى المسلمين والكفّار فان تقدّم التّابوت رجل لا يرجع حتّى يقتل او يغلب، ومن رجع عن التّابوت كفر وقتله الامام، وفى خبرٍ، السّكينة روح الله يتكلّم كانوا اذا اختلفوا فى شيءٍ كلّمهم واخبرهم ببيان ما يريدون، وفى خبرٍ انّ السّكينة الّتى كانت فيه كانت ريحاً هفّافة من الجنّة لها وجه كوجه الانسان، وفى خبرٍ انّها ريح تخرج من الجنّة لها صورة كصورة الانسان ورائحة طيّبة وهى الّتى نزلت على ابراهيم (ع) فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الاساطين، وفى خبرٍ انّ السّكينة لها جناحان ورأس كرأس الهرّة من الزّبرجدّ { وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ } يعنى موسى (ع) وهارون (ع) وآلهما فانّه يراد كثيراً باضافة شيءٍ الى امرٍ ذلك الامر والمضاف جميعاً خصوصاً اذا كان حيثيّة الاضافة منظوراً اليها، واختلف الاخبار فى تفسير تلك البقيّة ففى بعض الاخبار انّها ذرّيّة الانبياء، وفى بعضٍ ذرّيّة الانبياء ورضراض الالواح فيها العلم والحكمة، وفى بعض الاقوال العلم جاء من السّماء فكتب فى الالواح وجعل فى التّابوت، وفى بعضٍ: فيه الواح موسى الّتى تكسّرت والطّست الّتى يغسل فيها قلوب الانبياء، وفى بعض كان فيه عصا موسى (ع)، وفى بعض الاقوال كان التّابوت هو الّذى أنزل الله على آدم (ع) فيه صور الانبياء فتوارثه اولاد آدم (ع) { تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } قيل: انّ الملائكة كانوا يحملونه بين السّماء والارض، وفى الخبر كان التّابوت فى ايدى اعداء بنى اسرائيل من العمالقة غلبوهم لمّا برح امر بنى اسرائيل وحدث فيهم الاحداث ثمّ انتزعه الله من ايديهم وردّه على بنى اسرائيل، وقيل: لمّا غلب الاعداء على التّابوت ادخلوه بيت الاصنام فأصبحت اصنامهم منكبّةً فاخرجوه ووضعوه ناحية من المدينة فأخذهم وجعٌ فى أعناقهم وكلّ موضع وضعوه فيه ظهر فيه بلاء وموت ووباء؛ فتشأمّوا به فوضعوه على ثورين فساقتهما الملائكة الى طالوت، وفى خبر سئل (ع): كم كان سعته؟ - قال: ثلاثة اذرعٍ فى ذراعين. ويستفاد من جملة الاخبار وبيان السّكينة والبقيّة انّه كان المراد بالتّابوت الصّدر المستنير بنور الامام (ع) الظّاهر فيه صورة غيبيّة من الجنّة والصّدر الظّاهر فيه صورة غيبيّة مصاحب للنّصرة والظّفر وتحمله الملائكة وفيه الطست الّتى يغسل فيها قلوب الانبياء وفيه ذرارى الانبياء وصورهم وبقيّة آل موسى (ع) وهارون (ع)، وفيه العلوم والحكمة وهذه الصورة كانت مع ابراهيم (ع) وتدور حول اركان البيت، وظهور هذه الصورة بشارة من الله بالنبوّة والولاية لو تمكّنت فى الانسان فانّها ريح تفوح من الجنّة وتبشّر بالعناية من الله وهذه سبب استجابة الدّعاء ونزول النّصرة والتّأييد من الله ولذلك ذكرت السّكينة فى القرآن قرينة للنّصر والتّأييد بجنود لم تروها وقد اصطلح الصوفيّة على تسمية هذه الصّورة بالسّكينة فانّها سبب سكون النّفس واطمئنانها، وبها يرتفع كلفة التكليف ويتبدّل الكلفة باللّذّة، ويحصل الاحسان الّذى هو العبادة؛ بحيث كان العابد يرى الله فانّ رؤيتها كرؤية الله، وقول الصّادق (ع): الست تراه فى مجلسك؟ اشارة الى هذه الرّؤية، وقوله تعالى كونوا مع الصّادقين، وابتغوا اليه الوسيلة، وجاهدوا فى سبيله، واهدنا الصّراط المستقيم وقوله (ع): انا الصّراط المستقيم، وقول المولوى (قدّه):

جونكه با شيخى تو دور از زشتيئى روزو شب سيارى و در كشتيئى

وقوله:

هيج نكشد نفس را جز ظلّ بير دامن آن نفس كش را سخت كَير

وامثال ذلك كلّها اشارة الى هذا الظّهور وتلك المعيّة ولمّا كان المعانى تقتضى الظّهور فى المظاهر الدّانية جاز ان يكون التّابوت فى الظّاهر صندوقاً من خشب الشّمشاد مموّهاً بالذّهب محسوساً للكلّ دار معه الملك او النّبوّة كلّما دارو كأنّه كان كثير من بنى اسرائيل يظهر التّابوت والسّكينة وبقيّة آل موسى (ع) وهارون (ع) بحسب المعنى والتّأويل على صدورهم لتأثير قوّة نفوس آبائهم فيهم وتفضّل الله عليهم بسبب آبائهم ولذلك كان فيهم انبياء كثيرون بحيث قتلوا منهم فى يوم واحد الى الضّحى جماعة كثيرة ولم يتغيّر حالهم كأنّهم لم يفعلوا شيئاً، ولمّا عملوا بالمعاصى ارتفع ذلك الفضل عنهم وحرموا التشرّف بالتّابوت والسّكينة وبعد ما اضطرّوا والتجاؤا الى نبيّهم تفضّل الله عليهم به وجعله الله آية ملك طالوت وقال { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ } ويجوز ان يكون هذا من تتمّة كلام نبيّهم { إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } شرط تهييجىّ وبعد ظهور التّابوت والاقرار بطالوت جمعوا له الجنود وخرجوا الى قتال جالوت.