خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٥٥
-النور

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَعَدَ ٱللَّهُ } جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل: ما لمطيع الرّسول؟- او ما لمن اهتدى الى الايمان الحقيقىّ؟- فقال: وعد الله ووعده لا خلف فيه { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ } بالبيعة العامّة النّبويّة او بالبيعة الخاصّة الولويّة { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الّلازمات للايمان حتّى يستقرّ ايمانهم { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } يجعلهم خلفاء الماضين او خلفاء نفسه { فِي ٱلأَرْضِ } اى ارض العالم الصّغير او ارض العالم الكبير بان يخرج الجبابرة المسلّطين عليها عنها او يجعلهم منقادين للاسلام طوعاً او كرهاً { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } فى الصّغير او الكبير.
اعلم، انّ الفاظ القرآن لسعته لا تحمل على معنىً واحدٍ ولا على وجهٍ واحدٍ بل كان المنظور منها جميع معانيها بجميع وجوهها لسعة المتكلّم والمخاطب بها، فالايمان اذا اريد به الاسلام الحاصل بالبيعة العامّة النّبويّة يجوز ان يراد بالعمل الصّالح الاعمال الّلازمة للاسلام، وان يراد بالاستخلاف التّسلّط الصّورىّ والغلبة فى الدّنيا كما ورد انّه لمّا قدم رسول الله (ص) واصحابه المدينة وآواهم الانصار رَمَتَهم العرب عن قوسٍ واحدة وكانوا لا يبيتون الاّ مع السّلاح ولا يصبحون الاّ فيه، فقالوا: ترون انّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنّين لا نخاف الاّ الله؟- فنزلت هذه الآية وصدقت بعد الغلبة على المدينة ونواحيها وانقياد العرب لهم او بعد فتح مكّة كما قيل: انّها نزلت فى فتح مكّة، وفى روايةٍ عن رسول الله (ص): زُويِت لى الارض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك امّتى ما زوى لى منها، وفى خبرٍ عن المقداد عن رسول الله (ص) انّه لا يبقى على الارض بيت مدرٍ ولا وبرٍ الاّ ادخله الله تعالى كلمة الاسلام بعزّ عزيز او ذلّ ذليل امّا ان يعزّهم الله فيجعلهم من اهلها وامّا ان يذلّهم فيدينون لها وعلى هذا فمعنى قوله { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ } ليسلّطنّهم على مخالفيهم حتّى يمكنهم اظهار كلمة الاسلام ولوازمها، ويجوز ان يراد بالعمل الصّالح البيعة الولويّة الايمانيّة وبالاستخلاف الاستخلاف فى العلم والتّصرّف بالنّسبة الى العالم الصّغير او الى العالم الكبير، ويجوز ان يراد بالاستخلاف استخلاف لطيفتهم الولويّة الّتى تظهر بصورة ولىّ الامر فى ملكهم الصّغير، واذا قويت وتمكّنت صارت خليفةً لله فى العلم والعمل فى الصّغير والكبير، ويجوز ان يراد بالاستخلاف الاستخلاف فى النّبوّة او الرّسالة بعد استخلاف اللّطيفة الولويّة، واذ اريد بالايمان الايمان الحاصل بالبيعة الولويّة يجوز ان يراد بالاستخلاف الاستخلاف فى الملك او الاستخلاف فى العلم والعمل، او الاستخلاف بظهور صورة ولىّ الامر، او الاستخلاف فى النّبوّة والرّسالة، واذا اريد بالايمان الايمان الشّهودىّ الّذى لا يكون الاّ بشهود ملكوت ولىّ الامر جاز ان يراد بالعمل الصّالح البقاء على الحضور عنده، وبالاستخلاف الاستخلاف فى النّبوّة او الرّسالة، والى هذه المعانى وتلك الوجوه اشير فى الاخبار فانّه فسّر الّذين آمنوا تارةً بالمسلمين وتارةً بالمؤمنين القابلين للولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة، وتارةً بالكاملين فى الايمان من الائمّة الاطهار (ع)، والاستخلاف تارةً بالاستخلاف فى الملك وتارةً بالاستخلاف فى العلم والدّين والعبادة، وتارةً بالاستخلاف فى ظهور القائم (ع) من اراد الاخبار فليرجع الى المفصّلات { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ } من الاعداء الظّاهرة فى الكبير ومن الاعداء الباطنة فى الصّغير { أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي } بشيء من انواع الشّرك الصّورىّ او الباطنىّ { شَيْئاً } من الاصنام والاهوية والشّركاء فى الولاية { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } الخارجون عن حكم الله ودينه فانّ من لم يبلغ الى هذا المقام وبقى استعداد للدّخول فيه كان كأنّه غير خارج من طريق الانسانيّة وان لم يكن داخلاً فيها بالدّخول التّكليفىّ او السّلوكىّ بعد بخلاف من وصل الى هذا المقام وخرج بعد منه فانّه خرج من القوّة الى الفعل وبالخروج من هذا المقام يبطل الفعليّة ولا يكون فيه قوّة واستعداد فيكون هو الفاسق حقيقةً، واذا اريد بالّذين آمنوا المؤمنون التّابعون للائمّة (ع) من الشّيعة كان انجاز الوعد فى حال الحيٰوة الدّنيا او فى حال الاحتضار.