خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢١
-الشعراء

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ } بسبب ضلالى عن طريق المداراة وقتلى القبطىّ { لَمَّا خِفْتُكُمْ } على نفسى لما وصل الىّ انّ الملأ يأتمرون بى { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً } من غير كسبٍ لى ومعاناةٍ فى طلبه { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } بمحض فضله من غير عملٍ لى فيه، ولمّا ذكر فرعون بعد ادّعاء موسى (ع) الرّسالة من الله ثلاثة اشياء مانعة من رسالته بترتيب الاضعف فالاقوى اجاب موسى (ع) من الثّلاثة بترتيب الاقوى فالاضعف؛ فانّه ذكر اوّلاً كونه مربّىً لهم والمربّى لا يجوز ان يكون حاكماً على المربّى، وثانياً لبثه فيهم مدّةً مديدةً من عمره من غير كسبٍ للكمالات الانسانيّة المقتضية للرّسالة المستلزمة لجميع الكمالات الكسبيّة باعتقادهم، وثالثاً قتل النّفس المحترمة المنافى للرّسالة من الله من حيث الظّاهر والباطن فانّ الرّسول من الله ينبغى ان يكون بحيث يرغب فيه كلّ احدٍ والسّفّاك لا يرغب فيه اكثر النّاس، وينبغى ان يكون مطهّراً من جميع ما يكون شيناً على الانسان حتّى يستحقّ القرب من الله والرّسالة منه بحسب الباطن، فاجاب اوّلاً بالاعتراف بالفعلة ونفى الكفر المنافى للرّسالة فى تلك الفعلة واثبات الضّلالة الّتى لا تنافى طلب الكمالات الانسانيّة وحصول الرّسالة بل تكون من مقدّمات طلب الكمالات فانّه ما لم يعلم الانسان ضلاله لم يطلب هداه، وثانياً عن ثانى ايراداته بانّ الرّسالة موهبة من الله وليست بكسب الانسان حتّى ينافيها لبثى فيكم من غير كسبى للعلوم العقليّة والشّرعيّة، واجاب ثالثاً عن اوّل ايراداته بانّ تربيتك لم تكن احساناً الىّ بل كانت اساءةً لى لانّك ما ربّتينى بتجشّمٍ من نفسك بل باستعباد قومى فى خدمتى، او باستبعاد قومى فى تحصيل الخدم والحشم والدّولة، او باستعباد قومى وقتل اولادهم حتّى خافوا منك وخافت امّى فألقتنى فى النّيل فوقعت فى يدك، او باستعباد قومى حتّى استعبدت امّى لخدمتى، او اجاب بالاقرار بكون التّربية نعمةً ثمّ استدرك توهّم كونها احساناً بكونها اساءةً فقال آوَ { تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }.