خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
٦٥
-النمل

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ قُل } يا محمّد (ص) { لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ }.
معنى الغيب
اعلم، انّ السّماء تطلق على ما له علوّ وارتفاع وتأثير فيما دونه، والارض تطلق على ما له دنوّ وانفعال، وهذان المعنيان لا اختصاص لهما بالسّماء والارض الطّبيعيّتين بل جملة عالم الارواح بهذا المعنى سماواتٌ وجملة عالم الاجسام الملكيّة والملكوتيّة العلويّة والسّفليّة اراضٍ، والغيب ما كان غائباً عن نظر من كان ذلك الغيب غيباً له سواء كان مشهوداً حاضراً لغيره او لم يكن، والمراد بمن فى السّماوات والارض من كان متحدّداً بحدودهما غير خارجٍ من حجب تعيّناتهما، فانّ الانسان الملكىّ هو الّذى يكون محتجباً تحت حدود الملك ويكون ادراكاته مقصورة على المحسوسات فانّ المدرك فى ادراكه لا بدّ وان يكون سنخاً للمدرك بل متّحداً معه فالمدرك اذا كان ملكيّاً كان مدركه ايضاً ملكيّاً وهذا المدرك يكون جميع ما فى السّماوات من السّماوات الطّبيعيّة وسماوات الارواح غيباً بالنّسبة اليه والانسان الملكوتىّ لا يتجاوز ادراكه الملكوت ولا يكون مدركه مجرّداً صرفاً ويكون المجرّدات عن التَقدّ رغيباً بالنّسبة اليه والانسان الجبروتىّ المتّحدد بحدود العقول لا يتجاوز ادراكه الى عالم المشيّة وعالم المشيّة غيب بالنّسبة اليه فصحّ ان يقال: لا يعلم جميع المتّحدّدين بحدود سماوات الارواح واراضى الاشباح الغيب الّذى هو عالم الاسماء والصّفات الاّ الله ويكون الاستثناء منقطعاً ان خصّص لفظة من الموصولة بالممكنات، او متّصلاً ان لم تخصّص.
علم الائمّة (ع)
والاشكال بانّ الائمّة كانوا يعلمون علم ما كان وما هو كائن وما يكون الى يوم القيامة وانّ عليّاً (ع) واصحابه كانوا يعلمون علم المنايا والبلايا والانساب غير واردٍ، فانّهم غير من فى السّماوات والارض لعدم تحدّدهم بحدودهما لخروجهم الى مقام الاطلاق الّذى هو المشيّة وفى ذلك المقام لا فرق بينهم وبين حبيبهم فعلمهم فى ذلك المقام علم الله، وامّا سائر مقاماتهم المقيّدة بحدود السّماوات او الارض فانّهم فى تلك المقامات يعلمون بتعليم الله اى بتعليم مقامهم المطلق الّذى لا فرق بينهم وبينه بمعنى انّهم فى ذلك فانون من انانيّاتهم وباقون بوجود الله لا بوجوداتهم فهم يعلمون بعلم الله الغيب عن السّماوات والارض ويعلّمون بتعليم الله سائر مقاماتهم المحدودة بحدودات المقامات النّازلة، روى انّ امير المؤمنين (ع) اخبر يوماً ببعض الامور الّتى لم يأت بعد فقيل له: اعطيت يا امير المؤمنين علم الغيب؟- فضحك وقال: ليس هو بعلم غيبٍ انّما هو تعلّم من ذى علمٍ؛ وانّما علم الغيب علم السّاعة وما عدّده الله سبحانه بقوله: انّ الله عنده (الآية) فيعلم سبحانه ما فى الارحام من ذكرٍ او انثى، وقبيحٍ او جميلٍ، وسخىٍّ او بخيلٍ وشقىٍّ او سعيدٍ، ومن يكون للنّار حطباً او فى الجنان للنّبيّين مرافقاً فهذا علم الغيب الّذى لا يعلمه الاّ الله، وما سوى ذلك فعلم علّمه الله نبيّه (ص) فعلّمينه ودعا لى ان يعيه صدرى وتضمّ عليه جوارحى، وبعد ما سبق لا حاجة لك الى بيان اجزاء الحديث { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ } اى فى اىّ مقام من مقامات البعث { يُبْعَثُونَ } فانّ المحدود بحدّ من حدود السّماوات والارض لا يعلم وقت قيامه من مرقد حدّه ولا مقام قيامه منه والمطلق من ذلك الحدّ يعلم وقت بعثه ومقامه بعلم الله لا بعلم نفسه.