خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٣٥
-الأحزاب

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } وهذا تعليلٌ لما سبق من قوله ومن يقنت منكنّ (الى آخر الآيات) والمراد بالمسلمين صورةً من بايع على يد محمّد (ص) او خلفائه البيعة العامّة النّبويّة بقبول الدّعوة الظّاهرة والانقياد تحت احكام الشّريعة، وحقيقةً من انقاد باطناً تحت احكام الشّريعة بحيث لا يتأتّى منه خلافها، وبهذا المعنى ورد عن النّبىّ (ص): "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه " { وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } المؤمن من صورةً من بايع على يد محمّد (ص) او خلفائه البيعة الخاصّة الولويّة بقبول الدّعوة الباطنة والانقياد تحت احكام الطّريقة وقبول احكام القلب، وحقيقةً من صار متخلّقاً بالاخلاق الحسنة ومتطهّراً من الرّذائل وصار اميناً فى قومه رحيماً كريماً وزيناً حيّياً، الى غير ذلك من الاخلاق، وبهذا المعنى ورد عن النّبىّ (ص): "المؤمن من امن جاره بوائقه، وما آمن بى من بات شبعان وجاره طاوٍ" ، وورد: "المؤمن من ائتمنه المؤمنون على اموالهم وانفسهم" ، وقد سبق فى اوّل البقرة تفصيل للاسلام والايمان وانّ الايمان يدخل بسبب كيفيّةٍ فى القلب بتلك الكيفيّة يقع نسبة الابوّة والبنوّة بين المؤمن ومن بايع على يده، ويقع الاخوّة بين البايعين والاسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدّماء واشار اليه تعالى بقوله: { { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات:14] { وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ } اى المتواضعين او القائمين فى الصّلٰوة، او المطيعين والمطيعات { وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ } اى الخارجين فى اقوالهم وافعالهم واحوالهم واخلاقهم من الاعوجاج { وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ } على المصائب او الطّاعات او عن المعاصى { وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ } قد مضى تحقيق معنى الخشوع والفرق بينه وبين الخضوع والتّواضع فى سورة البقرة عند قوله تعالى: وانّها لكبيرةٌ الاّ على الخاشعين { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ } من الاعراض الدّنيويّة والقوى البدنيّة والحشمة والجاه وكلّ ما ينسبه الانسان الى نفسه ومن انانيّاتهم { وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ } عن الوجود المنسوب اليهم بانتهاء تقويهم عند ابتداء حشرهم الى الرّحمن { وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ } فروجهم بعد حشرهم الى اسم الرّحمن بعودهم الى الكثرات وملاحظة العورات الّتى كانت لهم حين رجوعهم الى الحقّ تعالى وغفلتهم عنها { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } روى انّ اسماء بنت عميس لمّا رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن ابى طالب عليه السّلام دخلت على نساء رسول الله (ص) فقال: هل فينا شيءٌ من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله انّ النّساء لفى خيبةٍ وخسارٍ فقال: "وممّ ذلك" ؟- قالت: لانهنّ لا يذكرن بخيرٍ كما يذكر الرّجال فأنزل الله تعالى هذه الآية.
اعلم، انّ الآية اشارة الى جميع مراتب السّلوك بعد الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الولويّة ودخول الايمان فى القلب فانّ الاسلام تنبّهٌ وسببٌ للهداية الى الايمان ولا بدّ من حصوله للانسان حتّى يحصل له الايمان، والايمان الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة، ونفس تلك البيعة سبب للتّوجّه الى الله، وبعد التّوجّه الى الله يكون السّلوك الى الطّريق او الى الله، واوّل ما يحصل بعد الايمان للسّالك هو المحبّة لله والاستشعار بعظمته وعظمة مظاهره والاستشعار بالهيبة منه، ويحصل من ذلك الاستشعار التّواضع الّذى هو حالة حاصلة من امتزاج الهيبة والمحبّة مع غلبة الهيبة، ويحصل من تلك الحالة الطّاعة، وليس المراد بالقنوت ههنا الاّ التّواضع او الطّاعة او القيام فى الصّلٰوة، وبالقنوت يحصل الخروج من الاعوجاج وبالصّدق والخروج من الاعوجاج يحصل الصّبر فى موارده، وبالصّبر يحصل الخشوع الّذى هو حالة حاصلة من امتزاج الهيبة والمحبّة مع غلبة المحبّة، وبغلبة المحبّة يحصل التّصدّق وطرح ما يمنع المحبّ عن خدمة المحبوب، وبذلك الطّرح يحصل الصّوم الّذى هو انتهاء التّقوى، وبانتهاء التّقوى يحصل الرّجوع والبقاء بعد الفناء ومراعاة حقوق الكثرات من المنع والاعطاء والبذل والحفظ، وفى مراعاة الكثرات وحقوقها يحصل الذّكر الكثير، فانّ الذّكر الكثير هو الّذى يكون بتذكّر الامر والنّهى الآلهيّين عند كلّ فعلٍ، ولا يكون ذلك الاّ بعد الرّجوع الى الكثرات بالله وهو آخر الاسفار الّتى تكون للسّلاّك.