خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ
٤
-الأحزاب

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ } جوابٌ لسؤالٍ مقدّرٍ ناشٍ عن الحصر المستفاد من قوله: لا تطع الكافرين واتّبع ما يوحى اليك كأنّه قيل: لا منافاة بين اتّباع الموحى وبين المداراة مع الكافرين واتّباع ما يشيرون اليه فقال: ما جعل { لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } يحبّ ويتّبع الله بهذا ويحبّ ويتّبع بذاك الكافر، وقيل: نزلت فى ابى معمّر حميد بن معمّر بن حبيب الفهرىّ وكان لبيباً حافظاً لما يسمع وكان يقول: انّ فى جوفى لقلبين اعقل بكلّ واحدٍ منهما افضل من عقل محمّد (ص) ثمّ انهزم يوم بدر مع من انهزم واحدى نعليه فى يده والاخرى فى رجله، فقيل له فى ذلك فقال: ماشعرت الاّ انّهما فى رجلى فعرفوا يومئذٍ انّه لم يكن له الاّ قلبٌ واحدٌ وعن علىّ (ع) انّه: لا يجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا فى جوف انسانٍ انّ الله لم يجعل لرجلٍ قلبين فى جوفه، فيحبّ بهذا ويبغض بهذا، وعن الصّادق (ع) فمن كان قلبه متعلّقاً فى صلٰوته بشيءٍ دون الله فهو قريبٌ من ذلك الشّيء بعيد عن حقيقة ما اراد الله منه فى صلٰوته، ثمّ تلا هذه الآية { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } زعمت العرب انّ من قال لزوجته: انت علىّ كظهر امّى صارت زوجته كأمّه فى حرمة المواقعة فقال تعالى ردّاً عليهم: ما جعل ازواجكم (الآية) { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } الدّعىّ كالغنىّ من تبنّيته فعيل بمعنى المفعول ومن كان متّهماً فى نسبه، نزلت فى زيد بن حارثة الكلبىّ عتيق رسول الله (ص) وسبب ذلك على ما نقل عن القمى عن الصّادق (ع) انّ رسول الله (ص) اشترى زيداً بعد تزويجه خديجة (ع) فلمّا نُبّئ (ص) دعا زيداً الى الاسلام فأسلم وكان يدعى مولى محمّدٍ (ص) فاتى حارثة ابا طالب (ع) وقال له: قل لابن اخيك: امّا ان يبيعه، وامّا ان يفاديه، وامّا ان يعتقه، فلمّا قال ذلك ابو طالب (ع) لرسول ا لله (ص) قال: هو حرّ لوجه الله فليذهب حيث شاء، فقام حارثة واخذ بيد زيدٍ وقال: يا بنىّ الحق بشرفك وحسبك فقال: لست افارق رسول الله (ص) ابداً فغضب ابوه وقال: يا معشر - قريش اشهدوا انّى بريء منه وليس هو ابنى فقال رسول الله (ص): اشهدوا انّ زيداً ابنى ارثه ويرثنى وكان يدعى زيد بن محمّدٍ (ص) فلمّا هاجر رسول الله (ص) زوّجه زينب بنت جحشٍ وأبطأ عنه يوماً فأتى رسول الله (ص) منزله فاذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيباً بفهرٍ لها، فنظر اليها رسول الله (ص) وكانت جميلةً فوقعت فى قلب رسول الله (ص) فقال: سبحان خالق النّور وتبارك الله احسن الخالقين، ثمّ رجع وجاء زيد الى منزله فأخبرته زينب بما وقع فقال زيد: هل لك ان اطلّقك حتّى يتزوّجك رسول الله؟. فقالت: اخشى ان تطلّقنى ولم يتزوّجنى رسول الله (ص) فجاء زيد الى رسول الله فقال: هل لك ان اطلّق زينب حتّى تتزوّجها؟- فقال: لا، اذهب واتّق الله وامسك عليك زوجك ثمّ حكى الله عزّ وجلّ فقال: امسك عليك زوجك واتّق ا لله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى النّاس والله احقّ ان تخشاه فلمّا قضى زيد منها وطراً زوّجناكها (الى قوله) وكان امر الله مفعولاً فزوّجه الله تعالى من فوق عرشه فقال المنافقون: يحرّم علينا نساء ابنائنا ويتزوّج امرأة ابنه زيد، فأنزل الله عزّ وجلّ فى هذا: وما جعل ادعياءكم ابناءكم (الى قوله) يهدى السّبيل وسيأتى فى هذه السّورة اخبار اُخر فى كيفيّة تزويج رسول الله (ص) زينب لزيدٍ ولنفسه { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } من غير اعتقادٍ لكم به ومن غير حقيقةٍ له فى الواقع فلا تأثير لهذا القول فى ترتّب الاحكام الشّرعيّة { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ } الثّابت الّذى له حقيقة فى نفس الامر و ينبغى ان يعتقد { وَهُوَ } لا غيره { يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } الى الحق.