خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
٥٦
-الأحزاب

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ } استينافٌ جوابٌ لسؤالٍ ناشٍ من الاهتمام بشأن النّبىّ (ص) وتفخيمه واسترضائه كأنّه قيل: ما بال النّبىّ (ص) وقد بالغ الله فى تعظيمه وتحفّظ نسائه؟! او ابتداء كلام منقطع عن سابقه وتمهيد لامر المؤمنين بالصّلٰوة عليه { يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ }.
اعلم، انّ الاخبار فى فضيلة الصّلٰوة على محمّدٍ وآل محمّد وانّها افضل من جملة الاذكار من طريق الخاصّة والعامّة اكثر من ان تحصى؛ ففى بعض الاخبار: من صلّى عليه فى دبر كلّ صلٰوة الصّبح وصلٰوة المغرب قضى الله له مائة حاجةٍ، سبعين فى الدّنيا وثلاثين فى الآخرة، وفى بعضها: انّ ملكاً قائم الى يوم القيامة ليس احد من المؤمنين يقول: صلّى الله على محمّدٍ وآله وسلّم الاّ وقال الملك: وعليك السّلام، ثمّ يقول الملك: يا رسول الله (ص) انّ فلاناً يقرئك السّلام فيقول رسول الله (ص): وعليه السّلام، وفى بعضها: كلّ دعاءٍ محجوبٌ عن السّماء حتّى يصلّى على محمّدٍ وآل محمّدٍ، وفى بعضها: اذا كان ليلة الجمعة نزل من السّماء ملائكة بعدد الذّرّ فى ايديهم اقلام الذّهب وقراطيس الفضّة لا يكتبون الى ليلة السّبت الاّ الصّلٰوة على محمّدٍ وآل محمّدٍ، وفى بعضها: ثواب الصّلٰوة عليه وآله الخروج من الذّنوب كهيئة يوم ولدته امّه، وفى بعضها: لم يبق عليه من ذنوبه ذرّة، وفى بعضٍ: من صلّى على محمّدٍ وآل محمّد عشراً صلّى الله عليه وملائكته الفاً، وفى بعضها: من صلّى على النّبىّ صلٰوةً واحدةً صلّى ا لله عليه الف صلٰوةٍ فى الف صفٍّ من الملائكة، ولم يبق شيءٌ ممّا خلق الله الاّ صلّى على العبد لصلٰوة الله وصلٰوة ملائكته؛ فمن لم يرغب فى هذا فهو جاهل مغرور قد برأ الله منه ورسوله (ص) واهل بيته (ع)؛ وفى بعضها: ما فى الميزان شيءٌ اثقل من الصّلٰوة على محمّد وآل محمّدٍ، وفى بعضها: من صلّى علىّ ولم يصلّ على آلى لم يجد ريح الجنّة وانّ ريحها ليوجد من مسيرة خمس مائة عامٍ، وفى بعضها: اذا صلّيت العصر يوم الجمعه فقل: اللّهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ الاوصياء المرضيّين بافضل صلواتك، وبارك عليهم بافضل بركاتك، والسّلام عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم ورحمة الله وبركاته، فانّ من قالها بعد العصر كتب الله عزّ وجلّ له مائة الف حسنةٍ ومحا عنه مائة الف سيّئةٍ، وقضى له بها مائة الف حاجةٍ، ورفع له بها مائة الف درجةٍ، وفى بعضها: صلّت الملائكة علىّ وعلى علىٍّ (ع) سبع سنين وذلك انّه لم يصلّ معى احدٌ غيره، وفى بعضها: صلّ على النّبىّ (ص) كلّما ذكرته، او ذكره ذاكرٌ عندك فى اذانٍ وغيره، وقد أفتى كثير بوجوب الصّلٰوة عليه اذا ذكرته او ذكره ذاكرٌ عندك،
فضيلة الصّلٰوة على النّبىّ (ص) واسرارها
وقد اختلف الاخبار فى بيان اللّفظ الّذى يصلّى به عليه، ويستفاد من جملتها واختلافها انّ المقصود هو التّوجّه والاقبال عليه على سبيل التّعظيم ولا اعتبار لخصوصيّة لفظٍ مخصوصٍ فى ذلك ولذلك اختلف الاخبار فى تعيين اللّفظ، والسّرّ فى فضل الصّلٰوة والاهتمام بها والتّأكيد فيها عند ذكر محمّدٍ (ص) وتفضيلها على سائر الاذكار كما اشير اليه فى الاخبار انّ اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة الّتى هى الامانة العظمى الّتى اخرجها الله من خزانته الخاصّة به وامرّها على سماوات الارواح والعقول والنّفوس وعلى اراضى الاشباح النّوريّة والاشباح الطّبيعيّة الّتى يعبّر عنها بالسّماوات الطّبيعيّة والاراضى الطّبيعيّة وجبال المواليد، فأبين ان يحملنها لما رأين انّها من مقام الاطلاق وليس لائقاً لحملها الاّ ما فيه استعداد الخروج من مقام التّقيّد والحدود والوصول الى مقام الاطلاق والوجوب، ورأين انّ كلاًّ منهنّ له مقام معلوم وحدّ مخصوص ليس له استعداد الخروج من ذلك المقام وهذا الحدّ، بخلاف هيكل الانسان ومادّة صاحب النّطق والبيان فانّه كان فيه استعداد الخروج من الحدّ والوصول الى الاطلاق فحملها الانسان انّه كان ظلوماً على جميع حدوده وتعيّناته جهولاً لجميع الكثرات وحقوقها عند ظهور سلطان الله ووصول الامانة الى الخزانة وبعد الحمل رأى انّ لها سرّاقاً من عالم الجنّة والشّياطين يترصّدون الفرصة لسرقتها وقطع طريقها، وانّه لا يمكنه حفظها بدون معاون من سنخ الجنّة والشّياطين، فسأل الله بلسان حاله حفّاظاً ومعاونين فاجابه الله تعالى ووكّل عليه من عالم الملائكة ما يكفيه فى حفظها، ورأى انّ لها سرّاقاً من الشّياطين الانسيّة فسأل معاونين من اسناخهم فأجابه الله تعالى وارسل الانبياء والرّسل وخلفاءهم (ع) ليكونوا معاونين له فى حفظها وايصالها الى الخزانة، وامرهم باعانة العباد وامر العباد باتّباعهم، ولمّا كانت الاعانة والاتّباع فى ذلك لم يكن ممكناً الاّ بالاتّصال الرّوحانىّ بخلفاء الله (ع) ودخول الحافظ الّذى هو صورة نازلة منهم فى قلوب العباد وهو المعبّر عنه بالايمان الدّاخل فى القلب وذلك الاتّصال وهذا الدّخول اى دخول الحافظ فى قلوب العباد لا يمكن الاّ بالاتّصال الصّورىّ والتّوجّه التّامّ من الخلفاء والاستغفار للعباد والتّوبة والانقياد التّامّ من طرف العباد وهذه هى البيعة الّتى كانت معمولة من لدن آدم (ع) الى زمان الخاتم (ص) وكانت مقرّرة عندهم بشرائطها، وما لم يكن العباد يبايعون احدى البيعتين لم يكونوا داخلين فى الدّين ولم يسمّوا مسلمين ولا مؤمنين، واذا كان واحد منهم يبايع احدى البيعتين لم يكن له عمل اعظم من التّوجّه الى من بايع معه والنّظر اليه والجلوس معه والخدمة والتّعظيم له والتّأمّل فى شؤنه وجذبه بحسب روحانيّته الى نفسه وانجذاب نفسه بكثرة تذكّر شؤنه اليه.
ولمذا كان محمّد (ص) اصل جميع الخلفاء وكلّ الخلفاء كانوا اظلاله وشؤنه كان كلّما يحصل من جميع الخلفاء (ع) يحصل منه (ص)، وكلّما يلزم لجميع الخلفاء من النّظر والخدمة والتّعظيم والتّذكّر والتّأمّل فى شؤنهم يلزم له وحده، وكان كلّ من بايع واحداً من الخلفاء كان كمن بايع محمّداً (ص) فكان كلّ من دخل فى الاسلام او الايمان لم يكن له عملٌ اعظم قدراً وافخم اجراً من التّوجّه الى محمّدٍ (ص) والتّذكّر له والدّعاء له وطلب الرّحمة عليه والانجذاب اليه بحيث يظهر هو او احد من خلفائه بحسب ملكوته على صدره ولذلك ورد عن ابى عبدالله (ع) انّه قال: جاء رجل الى رسلول الله (ص) فقال: اجعل نصف صلواتى لك؟- قال: نعم، ثمّ قال: اجعل صلواتى كلّها لك؟- قال: نعم، فلمّا مضى قال رسول الله (ص): كُفى همّ الدّنيا والآخرة، وفى خبرٍ عنه (ع): انّ رجلاً اتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله (ص) انّى جعلت ثلث صلواتى لك، فقال له: خيراً، فقال: يا رسول الله (ص) انّى جعلت نصف صلواتى لك، فقال له: ذلك افضل، فقال: انّى اجعل كلّ صلواتى لك؟ فقال: اذَن يكفيك الله عزّ وجلّ ما اهمّك من امر دنياك وآخرتك، فقال له رجل اصلحك الله كيف يجعل صلواته له؟ فقال ابو عبد الله (ع) لا يسأل الله عزّ وجلّ الاّ بدأ بالصّلٰوة على محمّدٍ وآله، وامثال هذه الاخبار كالقرآن ذات وجوهٍ وهى مرادة بكلّ وجوهها بحسب مراتب النّاس فانّ الصّلٰوة تكون بمعنى الدّعاء، والغائب عن الحضور لا يكون صلٰوته لمحمّدٍ (ص) الاّ دعاءه له، ويكون بمعنى الصّلٰوة المشروعة المشتملة على الافعال والاذكار المخصوصة، والحاضر عند محمّدٍ (ص) يجوز ان يكون معنى صلٰوته له دعاءه له وان يكون معنى صلٰوته له ان يكون فى صلٰوته المشروعة غير ناظرٍ الى غيره، ويكون المخاطب فى الصّلٰوة بل المتكلّم بل الفاعل محمّداً (ص) كما هو شأن من حصل له حالة الحضور عند شيخه، ومن حصل له هذه الحالة كفى جميع مهمّاته، بل حصل له جميع خيرات الدّنيا والآخرة، بل يكون له الغناء عن الدّنيا والآخرة، ولذلك كان المشايخ رضوان الله عليهم مهتمّين بتحصيل هذه الحالة للسّالكين ولم يكن للسّالكين منظورٌ الاّ حصول هذه الحال، وكان مشايخ العجم يأمرون السّلاّك بجعل صورة الشّيخ نصب عيونهم تعمّلاً حتّى يحصل بتلك التّعمّل هذه الحال، وبعدما يقال لهم: انّ هذا كفر وتقيّد بالصّورة واشتغال عن المعبود المسمّى بالاسم، يجيبون بانّ هذا كفر وتشبّه بعبادة الاصنام لكنّه كفر فوق الكفر والايمان؛ واليه اشار المولوىّ قدّس سرّه:

آينه دل جون شود صافىّ وباك نقشها بينى برون از آب وخاك
هم ببينى نقش وهم نقّاش را فرش دولت را وهم فرّاش را
جون خليل آمد خيال يا رمن صورتش بت معنى او بت شكن
شكر يزدان راكه جون او شدبديد در خيالش جان خيال او نديد

وهذا الشّعر اشارة الى انّ الحضور لدى الشّيخ وان كان ظاهره قيداً وكفراً بحسب المعنى والواقع اطلاقٌ عن القيد لا انّه تقيّد به.
ومعنى الصّلٰوة من الله الرّحمة عليه ومن الملائكة تزكيته كما فى الخبر، او طلب نزول الرّحمة من الله عليه، ومن العباد طلب الرّحمة من الله تعالى عليه، ولمّا كان المؤمن من فعليّته الاخيرة هى الصّورة النّازلة من ولىّ امره وهى صورة نازلة من محمّد (ص) كان طلبه الرّحمة من الله على محمّدٍ (ص) طلباً للرّحمة على فعليّته الاخيرة فكان صلٰوته على محمّد (ص) دعاءً لنفسه ولذلك ورد فى خبرٍ عن الرّضا (ع): وانّما صلٰوتنا رحمة عليه ولنا قربة، ولمّا كان محمّد (ص) مظهراً تامّاً لله كان من توجّه اليه وطلب الرّحمة من الله عليه توجّه الله اليه بمضمون: من تقرّب الىّ شبراً تقرّبت اليه باعاً؛ اكثر من توجّهه الى الله بعشرٍ او بمائةٍ او بالفٍ او باكثر بحسب استعداد المصلّى، وتوجّه الله اليه ليس الاّ صلٰوته ونزول رحمته على العبد، ولمّا كان الله حقيقة كلّ ذى حقيقة كان اذا توجّه الى شيءٍ توجّه كلّ الاشياء اليه، فاذا صلّى الله على عبدٍ لم يبق شيءٌ الاّ وصلّى عليه خصوصاً الملائكة المقرّبون لقربهم من الله تعالى ولذلك اقتصر فى بعض الاخبار على ذكر الملائكة، وفى بعضها اشير الى انّه لا يبقى شيءٌ الاّ وصلّى عليه { وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } يستفاد من بعض الاخبار انّ المراد بقوله سلّموا تسليماً التّحيّة الاسلاميّة، ومن بعضها انّ المراد التّسليم والانقياد له فيما جاء به من عند الله، ومن بعضها انّ المراد الانقياد له فيما جاء به من خلافة علىٍّ (ع)، ومن بعضها انّ المراد الانقياد لوصيّه (ع).