خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
٢٨
-فاطر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } الضّمير راجع الى البعض المستفاد من لفظة من { كَذَلِكَ } متعلّق بمختلفٍ اى مختلف الوان المذكورات مثل اختلاف جدد الجبال واختلاف الثّمار { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } جوابٌ لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل: لم لا يخشى النّاس من الله مع هذه الدّلائل وتلك الانذارات؟- فقال: لا ينفع الدّلالات والانذارات لمن لم يقذف الله فى قلبه نور العلم، ولمّا كان اغلب النّاس خالين من نور العلم لا ينفع هذه فيهم.
اعلم، انّ الانسان له مراتب ولكلّ مرتبةٍ منه خوف ورجاء ونحو من العلم غير ما للمرتبة الاخرى؛ فاولى مراتبه مرتبة نفسه الامّارة، وفى تلك المرتبة لا تسمّى ادراكاته الاّ ظنوناً ولا يكون ادراكاته الاّ محصورة على لوازم الحيٰوة الدّنيا فانّ ذلك مبلغها من العلم ولا يكون خوفه ورجاؤه الاّ فيما يتعلّق بالحيٰوة الدّنيا، وثانية مراتبه مرتبة نفسه اللّوامة وفى تلك المرتبة يختلط ادراكاته من الظّنون والعلوم والذّوق والوجدان لانّه قد يظهر حينئذٍ بشأن النّفس الامّارة فيحكم عليه باحكامها، وقد يظهر بشأن النّفس المطمئنّة فيحكم عليه باحكامها، وثالثة مراتبه مرتبة النّفس المطمئنّة وفى تلك المرتبة يكون ادراكاته علوماً وذوقاً ووجداناً، وخوفه يكون من الله ومن سخطاته وفراقه ويسمّى ذلك الخوف خشية لانّ الخشية حالة حاصلة من امتزاج استشعار القهر واللّطف والخوف والمحبّة، وما لم يصل الانسان الى ذلك المقام لم يحصل له محبّةٌ ما لله فلم يحصل له خشيةٌ ما منه وكان خوفه خوفاً صرفاً من قهره فقط اذا كان له خوف، ورابعة - مراتبه مرتبة قلبه وفى تلك المرتبة يكون ادراكاته شهوداً وذوقاً ووجداناً ويكون خوفه هيبة فانّ المشاهد لا يرى الله الاّ محيطاً بنفسه وليس شأن المحاط الاّ الهيبة من المحيط وبعد ذلك يكون السّطوة والسّحق والمحق { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } تعليلٌ لخشية العلماء فانّ العزّة يستلزم الخوف الّذى هو احد جزئى الخشية، والغفران يستلزم المحبّة الّتى هى جزاء آخر منها، عن الصّادق (ع) يعنى بالعلماء من صدّق قوله فعله ومن لم يصدّق قوله فعله فليس بعالمٍ، وعن السّجّاد (ع): ما العلم بالله والعمل الاّ الفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله، وانّ ارباب العلم واتباعهم الّذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا اليه وقد قال الله: انّما يخشى الله من عباده العلماء.