خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
٤٤

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَخُذْ بِيَدِكَ } عطف على اركض { ضِغْثاً } حزمة من خشبٍ { فَٱضْرِب بِّهِ } زوجتك { وَلاَ تَحْنَثْ } قسمك وذلك انّه كما قيل: حلف بعد ما اخبر انّ زوجته اخذت فى الزّنا وقطعت ذؤابتها ورأى ذؤابتها مقطوعة ان يضربها مائة وندم على ذلك بعد ما اخبرته أنّها باعتها واخذت له طعاماً { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } تعليل لا ذكر او لقلنا اركض برجلك او لوهبنا له اهله او لوهبنا مثلهم معهم او لقلنا خذ بيدك ضغثاً او للمجموع او بيان لحاله فى جواب سؤال عن حاله { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ } ايّوب (ع) { إِنَّهُ أَوَّابٌ } كثير الرّجوع شديد الرّجوع تامّ الرّجوع الى الله، عن الصّادق (ع) انّه سئل عن بليّة ايّوب (ع) الّتى ابتلى بها فى الدّنيا، لأىّ علّة كانت؟ قال: لنعمة انعم الله عزّ وجلّ عليه بها فى الدّنيا وادّى شكرها وكان فى ذلك الزّمان لا يحجب ابليس عن دون العرش فلمّا صعد ورأى شكر نعمة ايّوب حسده ابليس فقال: يا ربّ انّ ايّوب لم يؤدّ اليك شكر هذه النّعمة الاّ بما اعطيته من الدّنيا ولو حرمته دنياه ما ادّى اليك شكر نعمة ابداً، فسلّطنى على دنياه حتّى تعلم انّه لا يؤدّى اليك شكر نعمة ابداً، فقيل له: قد سلّطتك على ماله وولده، قال: فانحدر ابليس فلم يُبق له مالاً ولا ولداً الاّ أعطبه، فازداد ايّوب لله شكراً وحمداً، قال: فسلّطنى على زرعه، قال: قد فعلت، فجمع شياطنيه فنفخ فيه فاحترق، فازداد ايّوب لله شكراً وحمداً، فقال: يا ربّ فسلّطنى على غنمه، فسلّطه على غنمه، فأهلكها، فازداد ايّوب شكراً وحمداً، فقال: يا ربّ سلّطنى على بدنه، فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه، فنفخ فيه ابليس فصار قرحة واحدة من قرنه الى قدمه فبقى فى ذلك دهراً طويلاً يحمد الله ويشكره حتّى وقع فى بدنه الدّود، فكانت تخرج من بدنه فيردّها فيقول لها: ارجعى الى موضعك الّذى خلقك الله منه ونتن حتّى اخرجه اهل القرية من القرية وألقوه فى المزبلة خارج القرية، وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم تتصدّق من النّاس وتأتيه بما تجده، فلمّا طال عليه البلاء ورأى ابليس صبره اتى اصحاباً لايّوب كانوا رهباناً فى الجبال وقال: لهم مرّوا بنا الى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليّته، فركبوا بغالاً شهباً وجاؤا فلمّا دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم الى بعضٍ ثمّ مشوا اليه وكان فيهم شابّ حدث السّن فقعدوا اليه فقالوا: يا ايّوب لو اخبرتنا بذنبك لعلّ الله كان يملكنا اذا سألناه وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الّذى لم يبتل به احد الاّ من امر كنت تستره، فقال ايّوب (ع): وعزّة ربّى انّه ليعلم انّى ما اكلت طعاماً الاّ ويتيم او ضعيف يأكل معى، وما عرض لى امران كلاهما طاعة لله الاّ اخذت بأشدّهما على بدنى، فقال الشّابّ: سوئةٌ لكم عيّرتم نبىّ الله حتّى اظهر من عبادة ربّه ما كان يسترها؟! فقال ايّوب (ع) يا ربّ لو جلست مجلس الحكم منك لادليت بحجّتى، فبعث الله عزّ وجلّ اليه غمامة فقال: يا ايّوب ادل بحجّتك فقد اقعدتك مقعد الحكم، وها انا ذا قريب ولم ازل، فقال: يا ربّ انّك لتعلم انّه لم يعرض لى امران قطّ كلاهما لك طاعة الاّ اخذت بأشدّهما على نفسى الم احمدك؟ الم اشكرك؟ الم اسبّحك؟ قال فنودى من الغمامة بعشرة آلاف لسان: يا ايّوب من صيّرك تعبد الله والنّاس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبّحه وتكبّره والنّاس عنه غافلون؟ اتمنّ على الله بمالله فيه المنّة عليك؟- فاخذ التّراب فوضعه فى فيه ثمّ قال: لك العُتبى يا ربّ، انت فعلت ذلك بى، فانزل الله عليه ملكاً فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد احسن ما كان واطرء، وانبت الله عليه روضة خضراء وردّ عليه اهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدّثه ويونسه فاقبلت امرأته معها الكسرة فلمّا انتهت الى الموضع اذاً الموضع متغيّر واذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت: يا ايّوب ما دهى بك؟ فناداها ايّوب فاقبلت فلمّا رأته وقد ردّ الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله عزّ وجلّ شكراً، فرأى ذؤابتها مقطوعة وذلك انّها سئلت ان يعطوها ما تحمله الى ايّوب من الطّعام وكانت حسنة الذّوائب فقالوا لها: تبيعيننا ذؤابتك هذه حتّى نعطيك، فقطعتها ودفعتها اليهم واخذت منهم طعاماً لايّوب فلمّا رآها مقطوعة الشّعر غضب وحلف عليها ان يضربها مائة، فأخبرته انّه كان سببه كيت وكيت، فاغتمّ ايّوب من ذلك فأوحى الله عزّ وجلّ اليه: خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث فأخذ عذقاً مشتملاً على مائة شمراخٍ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه، قال: فردّ الله عليه اهله الّذين ماتوا قبل البلاء، وردّ عليه اهله الّذين ماتوا بعدما اصابهم البلاء كلّهم، احياهم الله له فعاشوا معه وسئل ايّوب بعدما عافه الله: اىّ شيءٍ كان اشدّ عليك ممّا عليك، فقال: شماتة الاعداء قال: فأمطر الله عليه فى داره جراد الذّهب وكان يجمعه فكان اذا ذهبت الرّيح منه بشيءٍ عدا خلفه فردّه فقال له جبرئيل: اما تشبع يا ايّوب؟- قال: ومن يشبع من رزق ربّه عزّ وجلّ. وعنه (ع) عن ابيه (ع) قال: انّ ايّوب ابتلى بغير ذنبٍ سبع سنين وانّ الانبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، وقال: انّ ايّوب مع جميع ما ابتلى به لم تنتن له رائحة، ولا قبّحت له صورة، ولا خرجت منه مدّة من دم ولا قيح، ولا استقذره احد رآه، ولا استوحش منه احد شاهده، ولا تدودّ شيءٌ من جسده وهكذا يصنع الله عزّ وجلّ بجميع من يبتليه من انبيائه واوليائه المكرمين عليه وانّما اجتنبه النّاس لفقره وضعفه فى ظاهر امره لجهلهم بما له عند ربّه تعالى من التّأييد والفرج وقد قال النّبىّ (ص): "اعظم النّاس بلاء الانبياء ثمّ الاولياء ثمّ الامثل فالامثل" ، فانّما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الّذى يهون معه على جميع النّاس لئلاّ يدّعوا له معه الرّبوبيّة اذا شاهدوا ما اراد الله تعالى ذكره ان يوصله اليه من عظائم نعمه متى شاهدوه ليستدلّوا بذلك على انّ الثّواب من الله على ضربين استحقاق واختصاص، ولئلاّ يحقّروا ضعيفاً لضعفه، ولا فقيراً لفقره، ولا مريضاً لمرضه، وليعلموا انّه يسقم من يشاء ويشفى من يشاء، متى شاء، كيف شاء، باىّ شيءٍ شاء ويجعل ذلك عبرةً لمن يشاء، وشقاوة لمن يشاء، وسعادة لمن يشاء، وهو عزّ وجلّ فى جميع ذلك عدل فى قضائه، وحكيم فى افعاله، لا يفعل بعباده الاّ الاصلح لهم ولا قوّة الاّ بالله.