خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٢
-الأنعام

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } فى الولاية يعنى ادع الطّالب للدّين ولا تطرد الدّاخل فى الدّين بقبول ولاية علىّ (ع) والبيعة الولويّة معه فانّك بعثت لدعوة الخلق اليه لا لطردهم عنه او لا تطرد عن نفسك الّذين يدعون ربّهم فى الولاية { بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } يعنى يدعون ذاته ويريدون الاتّصال بملكوته بعد الاتّصال بملكه، فانّ الدّعاء قد يستعمل فى دعاء الشّيء لامر اخر من نصرته واعانته وغيرهما وقد يستعمل فى دعاء ذات الشّيء طلباً له من غير ارادة امر آخر منه وهذا هو معناه اذا استعمل مطلقاً وهو المراد ههنا لاطلاقه ولقوله بياناً لهذا المرام { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } يعنى لا يريدون من دعاء ربّهم غير وجه الرّبّ ووجه كلّ شيء هو ما به يتوجّه الى شيءٍ آخر، ولمّا كان الكلّ متوجّهاً بحسب التّكوين الى الله فما به توجّههم الى الله هو ملكوتهم المثاليّة او ما فوقها بحسب مرتبة الدّاعى وهذا فى المربوب وامّا الرّبّ فلمّا كان متوجّهاً الى الخلق للتّكميل كان وجهه الى الخلق ما به يتوجّه اليهم وما به يتوجّه الى الخلق هو ملكوته ايضاً، وفى هذا دليل على ما قالت العرفاء العظام من انّ السّالك ينبغى ان يكون دائم الذّكر، فانّ المراد بالغداة والعشىّ استغراق الازمنة ولذا لم يكتف الله تعالى فى الذّكر بالاطلاق بل قيّده بالكثرة فى اكثر ما وقع وبنبغى ان يكون دائم الفكر ودائم الحضور، فانّ الفكر والحضور فى لسانهم هو التّفكّر فى ملكوت الرّبّ والحضور عنده وغاية تلقين الشّيخ الّذكر للمريد ودعاء المريد بالذّكر المأخوذ هى حصول وجه الرّبّ له والى هذا المعنى اشارت الآية فتذكّر، وقد نقل عن الصّادق (ع) وقت تكبيرة الاحرام تذكّر رسول الله (ص) واجعل واحداً من الائمّة نصب عينيك، ولهم على مرامهم شواهد كثيرة نقليّة وعقليّة وما كان قصدنا الى بيان مقصدهم { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } من حيث شأن نبوّتك بل حسابهم على ربّهم { وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } عطف على تطردهم او جواب للنّهى كما انّ تطردهم جواب للنّفى، يعنى انّ حساب من دخل فى الولاية وطردهم ابقاءهم انّما هو على شأنك الولوىّ لا على شأنك النّبوىّ فلا تطردهم بشأنك النّبوىّ الّذى يراعى الكثرة ويربّى كّلاً فى مرتبته ويحفظ لكلّ ذى شأن شأنه عن ارادة شهود الرّبّ والاتّصال بوجهه، ولا تطردهم ايضاً بحسب الصّورة بشأنك الحافظ للصّورة عن مجلسك بطلب القوم طردهم فانّ شأنك النّبوىّ يستدعى ان لا تقرّب الفقراء الّذين لا شأن لهم فى انظار اهل الدّنيا اليك، وان لا تحضرهم فى المجلس العامّ النّبوىّ، وقد ذكر فى شأن نزول الآية انّها نزلت فى قوم من المسلمين مثل صهيب وخبّاب وبلال وعمّار وغيرهم كانوا عند رسول الله (ص) فمرّ بهم ملأ من قريش فقالوا: يا محمّد (ص) ارضيت بهؤلاء من قومك؟! أفنحن نكون تبعاً لهم؟! هؤلاء الّذين من اللّه عليهم؟! طردهم عنك فلعلّك ان طردتهم اتّبعناك، وقيل انّه (ص) قبل منهم ان يطردهم من عنده حين وفود القوم عليه واراد ان يكتب لهم كتاب عهد بذلك، فنزلت الآية ونحّى الكتاب وذكر غير ذلك فى المفصّلات.