خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ
٧٦
-الأنعام

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ } ستره بظلامه { رَأَى كَوْكَباً } هو الزّهرة كما فى الخبر { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } هذا الكلام منه يحتمل ان يكون على سبيل المماشاة مع القوم باظهاره الدّخول فى دينهم ثمّ الاستدلال بالافول والزّوال على عدم تربيته بالاستقلال ليكون اقرب الى الدّعوة والانصاف وابعد عن الشّغب والاعتساف، ولا يلزم منه الكذب المحرّم لانّه كان فى مقام الاصلاح، او قصد تربيته بنحو تربية الكواكب للمواليد باذن الله وورّى بحيث يظنّ انّه اراد المعبود، او قصد الانكار وانّه لا يصحّ ان يكون ربّاً لكنّه ورّى بصورة الاخبار وكان المقدّر فى نفسه الاستفهام الانكارىّ، ويحتمل ان يكون على سبيل الاستفهام الانكارىّ للانكار على قومه لانّهم كانوا ثلاثة اصنافٍ: صنف يعبد الزّهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشّمس، فأنكر على الثّلاثة عبادتهم، ويحتمل ان يكون على سبيل الاخبار الاحتمالىّ الّذى يصحّ لكلّ مستدلّ ان يخبر على سبيل الاحتمال عمّا أدّى اليه دليله فى بادى الامر لانّه كان فى اوّل خروجه من السّرب الّذى اخفته فيه امّه ولمّا ظهر له بعد امعان النّظر انّ ما ادّى اليه دليله فى بادى النّظر لم يكن نتيجة صحيحة انكره وقال: ليس هذا مؤدّى الدّليل الصّحيح، ومثل هذا ممدوح لكلّ من اراد التّحقيق والخروج عن التّقليد ولا يكون هذا شركاً، وكلّ هذه مروىّ عنهم (ع) لانّ القرآن ذو وجوه والحمل على جملة الوجوه ما لم يؤدّ الى فساد ورد عنهم (ع) هذا ما يقتضيه التّنزيل، وامّا بحسب التّأويل فنقول: انّ السّالك ما دام يكون فى سرب نفسه المظلم ولم يخرج بالولادة الثّانية الى فسحة عالم الملكوت يكون متحيّراً لا يدرى من اين والى اين وفى اين، ثمّ اذا ادركته العناية الآلهيّة وخرج يسيراً من قعر سربه يطرؤ وعليه حالات واطوار وظلمات وانوار ومنيرات فربّما يرى انواراً عجبية متلونّة بالوان مختلفة، وربّما يرى كواكب واقماراً وشموساً ويذهل عن التّفكّر واستعمال المقدّمات فيظنّ فى بادى رؤيته كوكباً او قمراً او شمساً انّه هو، فيصيح به جبرئيل العقل ويفيق من محوه وينظر الى افول المرئىّ وتغيّره فيعلم انّه ليس به، ولا ضير ان يكون حال ابراهيم (ع) فى بادى خروجه من سربه حال سائر السّلاك فيحسب فى بادى رؤيته الكوكب انّه هو، ثمّ ينظر بعقله الى زواله وتغيّره فيرى انّه ليس به ولا يلزم منه شرك ولا كفر لانّ تلك الانوار ظهورات نور الانوار، وقد يغلب حكم الظّاهر على المظهر بحيث يظنّ انّ المظهر هو الظّاهر { فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } لمّا لم يجد فى نفسه داعياً قويّاً على التّبرّى ونفى الرّبوبيّة وكان غرضه المماشاة مع القوم باظهار الانصاف من نفسه حتّى يدخل فى المجادلة الحسنة، نفى حبّ الآفل عن نفسه كناية خفيّة عن نفى الرّبوبيّة ولذلك لم يؤكّده بشيءٍ من المؤكّدات.