{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } وقرئ ذرّيّاتهم، اعلم، انّ آدم قد يقال على آدم ابى البشر وقد يقال على معنى موجود فى كلّ بشرٍ وقد يقال على معنىً اعمّ منهما وبهذا المعنى يقال: آدم الملكىّ، وآدم الملكوتىّ وآدم الجبروتىّ، وآدم اللاّهوتىّ، وبهذا المعنى ورد فى بعض خطب مولانا أمير المؤمنين (ع): انا آدم الاوّل، وذلك لانّ كلّ ما فى عالم الطّبع وعالم الكثرة فله صورة ومثال بنحو الكثرة والتّفصيل فى عالم المثال بحيث لو رآه راءٍ لقال: هو هو بعينه من غير فرق وتميز وله حقيقة فى عالم العقول العرضيّة وارباب الانواع وله حقائق فى عوالم العقول الطّوليّة بنحوٍ اتمّ وابسط ممّا فى هذا العالم ويعبّر عمّا فى تلك العوالم بالذّرّ، وكلّ ما وجد فى ما فوق عالم الطّبع فكلّه علم وشعور وسمع بصر ونطق، بخلاف ما فى هذا العالم فانّ شعوره وسمعه وبصره ونطقه بآلات متمايزةٍ ليس فى موضع السّمع بصر ولا فى موضع البصر سمع ونطق. ثمّ اعلم، انّ المراتب النّازلة كلّ بالنّسبة الى ما فوقه رقائق وذرار وظهور له بنحو الكثرة والتّفصيل لكنّه فى عين التّفصيل اخفى منه واضعف والعالى فى عين اجماله اتمّ واشدّ واظهر واحقّ بالاسم المطلق عليه، فآدم اللاّهوتىّ الّذى يعبّر بالحقيقة المحمّديّة (ص) والحقّ المخلوق به والاضافة الاشراقيّة اشدّ ظهوراً واحقّ باسم آدم من آدم الجبروتىّ وهكذا الى آدم النّاسوتىّ وبنو آدم فى كلّ مقام هم المنتسبون اليه بلا واسطة مثلاً بنو آدم اللاّهوتىّ ما فى عالم العقول الطّوليّة من التعيّنات الآدميّة، وبنو آدم الجبروتىّ ما فى العقول العرضيّة وبنو آدم فى تلك المرتبة الصّور المثاليّة، وبنو آدم المثالىّ الملكوتىّ الصّور الملكيّة البشريّة، وبنوا آدم البشرىّ المنسوبون اليه بلا واسطة او بواسطة، وبنو آدم فى العالم الصّغير المدارك والقوى البشريّة وذرّيّة بنى آدم فى كلّ مرتبة ما يليق بتلك المرتبة كما لا يخفى على البصير، والتّعبير بظهر بنى آدم دون ظهر آدم كما فى الاخبار، لانّ آدم اللاّهوتىّ لبساطته ووحدته له وحدة حقّة ظلّيّة لا يتصوّر فيه كثرة حتّى يتصوّر له ذرار ولا جهة وجهة حتّى يتصوّر له ظهر وبطن وايضاً الاقتصار على ظهر آدم يوهم الاختصاص بآدم ابى البشر ولمّا كان سلسلة النّزول بمنطوق صحيحة ما ورد: انّ الله خلق العقل ثمّ قال له: أقبل اى الى الدّنيا والدّار السّفلى؛ فأقبل، متوجّهاً عن الحقّ الاوّل تعالى الى العالم الاسفل كان المنظور اليه والمترائى فيه فى كلّ مرتبة هو ظهرها، وايضاً لمّا كان كل مرتبة بالنّسبة الى دانيها ظهوره بنحو اتمّ واشدّ قال: من ظهور بنى آدم بخلاف سلسلة الصّعود فانّها بحكم قوله ثمّ قال له: أدبر اى عن الدّنيا فأدبر كان المنظور فيه منها هو البطن منها، وايضاً كلّ دان بالنّسبة الى العالى بطن ومحلّ اختفاء ولذا اطلق البطن فى سلسلة الصّعود اخرجناكم من بطون امّهاتكم؛ والسّعيد سعيد فى بطن امّه، والتّعبير بأخذنا فى النّزول واخرجنا فى الصّعود لا يخفى وجهه { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ } وبعد ما علمت انّ الاشياء كلّها خصوصاً ما فوق عالم الطّبع بالنّسبة الى الله تعالى كلّها علم وشعور وسمع وبصر ونطق لا يبقى لك التّأمّل فى انّ الاشهاد والاسماع والاقرار كلّها على حقائقها اللّغويّة بل الاحقّ بحقائقها هو ما فيما فوق عالم الطّبع ولا حاجة لك الى تأويلات المفسّرين وتكلّفاتهم ومجازاتهم { أَن تَقُولُواْ } كراهة ان تقولوا { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } يعنى اشهدناكم وحملناكم على الاقرار هناك لكي تستقلّوا بالتّكليف وتتنبّهوا بالرّبوبيّة فلا تكونوا غافلين ههنا ولا تابعين ولا معلّقين سوء فعالكم على غيركم.