خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ
١٧٩
-الأعراف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } ولرفع توهّم الجبر وتوهّم ان لا مدخل للعبد فى ذلك كما يدلّ عليه ذرأنا قال: فعلنا ليس اجباراً منّا بل { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } فبعدم استعدادهم وعدم استحقاقهم ادخلناهم جهنّم، ولمّا كان التّفقّه عبارة عن علمٍ دينىٍّ يتوسّل به الى علمٍ آخر كما مضى ولم يكن علومهم وان كانت كثيرة دقيقة باعثة لترقّيهم فى طريق القلب والآخرة نفى الفقه عن قلوبهم { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } من الاشياء ما يدلّ على الله ومبدئيّته ومعاديّته فى عين حدّتها { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } من الاشياء والاصوات ما ينفعهم فى آخرتهم فى عين حدّتها فى سماع الاصوات ولا يسمعون اصوات الاشياء الّتى تنادى كّلاً ليلاً ونهاراً ان: لا تقم فى دار طبعك، ولا تنم فى مسبعك، واستعدّ من يومك لغدك { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ } فى عدم التّفقّه واشتداد العلم وفى عدم ابصار ما ينبغى ان يبصر من المبصرات، وعدم سماع ما ينبغى ان يسمع من المسموعات، بل مداركهم موقوفة على درك اسباب التّعيّش فى الآجل وان كانت فى اعلى مرتبة الدّرك كاكثر الفلاسفة المنكرين للرّسالة المعتقدين انّ الرّسول هو العقل واحكامه هى الشّريعة، كما انّ مدارك الانعام موقوفة على درك النّافع والضّارّ فى الآجل { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } لانّ ضلال الانعام بالنّسبة الى الانسان ضلال والاّ فهو بالنّسبة الى مقامها هداية فهى باقية على هدايتها التّكوينيّة، وايضاً ضلالها لا يتخطّى بها عن مقامها الى ما يوذيها ويؤلهما { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } تكرار اسم الاشارة البعيدة لتحقيرهم ولتطويل التّغليظ عليهم كما هو المناسب لمقام الّذمّ والجملة تأكيدٌ للاولى باعتبار لازم معناها ولذا لم يأت بالعاطف وأتى بها مؤكّدة محصورة، والمقصود انّ الغفلة محصورة على الغافل عن دلالة الاشياء على ما هى موضوعة بالوضع الآلهىّ له لا الغافل عن الجهات الدّنيويّة، ولا الغافل عن الشّعور بالشّعور حين مشاهدة شخصٍ او سماع لفظٍ مع عدم الالتفات الى الرّؤية والى مدلول المسموع فانّ هذا الغافل لا يستضرّ بغفلته وان استضرّ فى جهة دنيويّته فليس ضرراً يعتنى به بخلاف الغافل عن جهة دلالة الاشياء وجذبها الى الآخرة فانّه يتضرّر بها البتّة ضرراً خارجاً عن التّهديد.