خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٣٣
-الأعراف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

فذكر تعالى بطريق الحصر خمسة اشياء راجعة الى ثلاثة هى اصول المحرّمات، اعلم، انّ الله خلق الانسان من نطفةٍ ضعيفة غير حافظة لصورتها واودع فيها لطيفة سيّارة سالكة الى الله بقدم الصّدق على الطّريق المستوى والخطّ المستقيم عن الجماديّة الّتى هى انزل مراتب المواليد الى النّباتيّة ثمّ منها الى الحيوانيّة، ثمّ الى البشريّة الّتى هى ملكوت بين الملكوتين السّفليّة الّتى هى دار الشّياطين والجنّة وسجن المتكبّرين والمعذّبين من الآدميّين، والعلويّة الّتى هى دار الملائكة ذوى الاجنحة ودار السّعداء واصحاب اليمين، فاذا استحكم علمه بعلمه وشعوره بشعوره وتقوّى ارادته واختياره وتميّزه بين الخير والشّرّ الحقيقيّين، استعدّ لقبول التّكليف والدّعوة النّبويّة، فان ساعده التّوفيق وتداركه الدّعوة النّبويّة وقبل تلك الدّعوة وانقاد تحت حكم الدّاعى صار مسلماً ومشرفاً على التّوحيد الحقيقىّ والايمان وقبول الدّعوة الباطنة الولويّة، ويسمّى حينئذٍ مؤمناً وموحّداً باعتبار اشرافه على الايمان والتّوحيد، وان لم يتدراكه الدّعوة العامّة او لم يقبلها او لم يعمل على مقتضاها حتّى ابطل استعداده القريب للدّعوة الخاصّة واختفى طريق القلب واماراته وطريق التّوحيد وعلاماته، او لم يبطل استعداده القريب لقبول الدّعوة الخاصّة وبقى له استعداد قريب لذلك لكن لم يخرج تلك القوّة واستعداد الى الفعل بعدُ وتوجّه تارةً الى ما اقتضاه استعداده وطلب ما يدلّه على طريق القلب ويخرجه من القوّة الى الفعل، وتارة الى ما اقتضته نفسه واهويتها من مشتهيات الحيوانيّة لم يكن حينئذٍ مؤمناً موحّداً لا حقيقةً ولا مجازاً، بل كان كافراً اذا لم يبق له استعداد قريب، سواء اقرّ بدينٍ وكتابٍ ونبىٍّ وسمّى مسلماً ومؤمناً ام لم يقرّ وسمّى كافراً، او كان مشركاً اذا بقى له استعداد سواء أشرك بالله فى الظّاهر صنماً وكوكباً وغيرهما ام لا، وسواء اقرّ بدينٍ ونبىٍّ ام لا، وسواء بايع نبيّاً او وليّاً بالبيعة العامّة او الخاصّة ام لا، وسواء اتّصل او اعتقد بائمّة الجور ومظاهر الشّياطين ام لا، وبهذا المعنى فسّر الكفر والشّرك فى الآيات بالكفر بالولاية والشّرك بالولاية وهذان غير الكفر والشّرك الظّاهرين لجواز اتّصاف المسلم والمؤمن بهما، والكافر بهذا المعنى مطيع للنّفس والشّيطان، وافعاله ليست الاّ من طاعتهما وهكذا اخلاقه، وهى امّا متناهية فى القبح بحيث يعدّها الشّرع والعقل والعرف قبيحه، كالزّنا واللّواط والسّبعيّة المفرطة والشّرّه المفرط ممّا يستقبحه كلّ احدٍ ويستخفى فاعله حين الفعل من النّاس حتّى من امثاله وتسمّى بالفواحش، وافعاله الجوارح الّتى كانت كذلك هى الفواحش الظّاهرة ورذائل النّفس هى الفواحش الباطنة، وقد يسمّى بعض افعال الجوارح بالباطنة اذا صارت عادة بحيث لا يستخفى فاعلها عن الخلق، كنكاح زوجة الاب الّذى كان فى الجاهليّة وكنكاح المحارم الّذى كان بين الهنود، وكالتّجسّس والغيبة والتّهمة والتّنابز بالالقاب مع انّها اشدّ من نكاح المحارم التّى شاعت بين المسلمين، لانّ كونها فاحشة مختفٍ عن انظار امثال فاعلها، وقد يفسّر الفاحشة الباطنة بالّتى يستخفى فاعلها كالزّنا واللّواط والظّاهرة بالّتى لا يستخفى كنكاح زوجة الاب عكس ما ذكر وله وجه، او غير متناهيةٍ فى القبح بحيث لا يعدّها العقول الجزئيّة من امثاله قبيحةً ولا يستخفى فاعلها من امثاله وهو الاثم كشرب الخمر والنّبيذ، او بحيث يعدّها العقول الجزئيّة من امثاله خيراً ومدحاً لفاعله ويباهى فاعلها باعلانها كالحكومات والقضاوات الغير الشّرعيّة الّتى هى مثال القضاوات الشّرعيّة وسائر المناصب الشّيطانيّة الّتى يتمنّاها امثاله من الجهلة، وبعبارةٍ اخرى امّا تظهر افعاله واخلاقه بصورة افعال النّساء او بصورة افعال الخناثى او بصورة افعال الرّجال، وبعبارة اخرى فاعلها فى الانظار الجزئيّة المخطئة امّا ذو انوثةٍ او ذو خنوثةٍ او ذو ذكورةٍ، والى هذا الثّلاثة اشير بالفواحش والاثم والبغى وحاصل الحصر، انّ الانسان امّا كافر او مشرك بالكفر والشّرك الحقيقيّين او مؤمن، والكافر جميع ما يصدر عنه محرّم عليه قولاً او فعلاً او خلقاً لانّها تابعة للكفر المحرّم وهى تنقسم الى ثلاثة اقسامٍ و اكتفى عن ذكر الكفر بما ذكر لاستلزامها ايّاه وشمولها المحرّمات المشرك والمؤمن من حيث الكفر، والمشرك له جهة كفر وجهة ايمان، وآثاره من حيث الكفر ملحقة بآثار الكفر ومن حيث الايمان بالايمان، والمؤمن آثاره من حيث الايمان حلال له الاّ نسبة القول الى الله من غير علمٍ على التّفصيل الاتى، ولمّا كان المراد بالبغى مطلق التّبسّط والحكومة والرّياسة، قيّده تعالى بقوله بغير الحقّ من: بغى بغياً، استطال ولا حاجة الى جعل القيد بيانيّاً خلافاً للظّاهر وقيد الاشراك بما لم ينزّل به سلطاناً، اشارة الى انّ المراد بالشّرك بالله الشّرك بالولاية والشّرك بالولاية التّكوينيّة امّا بمرّمة المعاش او تلذّذ النّفس وهما ان كانا من جهة امرٍ آلهىٍّ لم يكونا اشراكاً بالله ما لم ينزّل به سلطاناً، والشّرك بالولاية التّكليفيّة ان كان باشراك من امر الامام (ع) باتّباعه لم يكن اشراكاً بالله ما لم ينزّل به سلطاناً، وليس الشّرك بالله حالاً وشهوداً الاّ الاشراك بالولايتين، فالتّقييد هناك ايضاً فى محلّه ولا حاجة الى التّكلّفات الّتى ارتكبوها، والموحّد الحقيقىّ او المشرف على التّوحيد امّا يكون قوله وفعله وخلقه واعتقاده من حيث توحيده او لم تكن من حيث توحيده وايمانه فما كان من حيث الايمان فهو حلالٌ:

كفر كَيرد ملّتى ملّت شود

وما لم يكن من حيث الايمان فهو ملحق بافعال الكافر واخلاقه لكنّ المؤمن قد يجرى على لسانه بقوّة محبّته، او لوجدانه وشهوده، او لاعتياده السّابق من سهولة الخطب فى القول ما لم يأخذه من عالم وقته ولم يتيقّنه من شهوده ووجدانه، او تيقّنه لكن لم يكن موافقاً لحاله، او لم يكن موافقاً لحال السّامع بحسب الوقت والمكان فنهى الله تعالى عن ذلك، وان كان من حيث ايمانه فعلى هذا كان تقدير قوله تعالى: مالا تعلمون مالا تعلمون عينه او وقته او مستمعه او موافقته لحاكم، ولمّا كانت ائمّة الجور متحقّقة بتلك المحرّمات وصارت تلك المحرّمات ذاتيّة لهم صحّ تفسيرها بائمّة الجور وفسّر فى بعض الاخبار بالسّلاطين من بنى اميّة وسائر ولاة الجور، ونقل عن الصّادق (ع)، انّ القرآن له ظهر وبطن فجميع ما حرّم الله فى القرآن هو الظّاهر والباطن من ذلك ائمّة الجور، وجميع ما احلّ الله فى الكتاب هو الظّاهر والباطن من ذلك ائمّة الحقّ. والسّرّ فى ذلك ما قلنا من انّ ائمّة الجور هم المتحقّقون المتجوهرون بجميع المحرّمات، وائمّة الحقّ (ع) هم المتحقّقون المتجوهرون بجميع المحلّلات، وعنه (ع) فى بيان { أَنْ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }: ايّاك وخصلتين فيهما هلكت من هلك؛ ايّاك ان تفتى النّاس برأيك وتدين بما لا تعلم، وفى روايةٍ ان تدين الله بالباطل وتفتى النّاس بما لا تعلم. والغرض انّ الاعتقاد والفتيا اذا لم يكونا بوحىٍ او تحديثٍ ولا بتقليد صاحب وحىٍ وتحديث فهما قول على الله بما لا يعلم، فالويل ثمّ الويل لمن استبدّ برأيه فى دينه من غير اخذٍ من اهله ولمن افتى النّاس من غير علمٍ واخذٍ من صاحب وحى وتحديثٍ حيث قرنه الله بالكافر والمشرك.