خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٠٠
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ
١٠١
-التوبة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ } عطف على من يؤمن بالله اى ومن الاعراب السّابقون فضلاً عن كون من يؤمن بالله منهم وعلى هذا فينبغى ان يراد بالاعراب الواقف فى بيداء النّفس لا اهل البد وفقط، حتّى يصحّ كون السّابقين بلام الاستغراق منهم ويكون الآية حنيئذٍ اشارةً الى انّ من كان فى تيه النّفس لا ينبغى ان ينظر اليه نظر الحقارة، { { كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [النساء:94]:

هيج كافر را بخوارى سنكريد كه مسلمان مردنش باشد اميد

والتّوصيف للتّأكيد ورفع توهّم ارادة السّبق فى صورة الاسلام او الهجرة او الاحتشام او الجنود او الغزو او القتال فقط، وللاشارة الى ارادة السّبق فى السّلوك الى الله وفى مراتب عبوديّته فانّه السّبق حقيقةً او السّابقون الاوّلون مبتدء وخبر فيكون من عطف الجملة، والمعنى انّ السّابقين هم الاوّلون فى درجات القرب او مبتدء خبره من المهاجرين او رضى الله عنهم فيكون ايضاً من عطف الجملة والتّوصيف بالاوّلون لما ذكر { مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ } الّذين هاجروا من مكّة الى المدينة لمحض خدمة الرّسول (ص) او من مطلق اوطانهم اليها { وَٱلأَنْصَارِ } الّذين نصروه بعد الهجرة، وقد ورد فى الخبر، انّ المهاجر من هجر السّيّئات، وفى خبرٍ: لا يقع اسم الهجرة الاّ بمعرفة الحجّة، وعلى هذا فالمراد بالمهاجرين من هجر دار نفسه المشركة الى مدينة الرّسول الّتى هى القلب، ولمّا كان الزّمان منطوياً فى مكان النّفس والقلب فلا اعتناء بالهجر المكانىّ ولا بسبقه الزّمانىّ فلا يلزم ان يكون كلّ مهاجر صحابىّ بمحض الهجرة المكانيّة وسبقه فيها مهاجراً فضلاً عن ان يكون سابقاً فى الهجرة، والمراد بالانصار السّاكنون فى مدينة القلب المتوجّهون الى عمران النّفس المطمئنّة واللّوامة المبلّغون النّاشرون احكام نبىّ القلب الى اهل بدو النّفس الامّارة وعمران النّفس المطمئنّة واللّوامة { وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } عطف على السّابقون او على الاوّلون او على المهاجرين او مبتدء وخبر والجملة عطف على السّابق والاحسان ضدّ الاساءة قد يعتبر بالنّسبة الى خارج وجود الفاعل فيقال احسن الى الخلق او الى زيدٍ وقد يعتبر بالنّسبة الى ماله من الحال والفعل فيحذف المفعول فيقال: احسن زيداً وهو محسن بمعنى صار فى حاله او فعله ذا حسنٍ والحسن الحقيقىّ قد مرّ مراراً انّه الولاية، وكلّ حالٍ او فعلٍ ينسب اليها يكون حسناً وان لم ير ظاهره حسناً، وكلّ ما لم يكن منسوباً اليها فهو قبيح وان كان ظاهره حسناً، والمراد بالاحسان هنا هو جعل الحال والفعل متّصلاً بالنّبوّة والولاية والمعنى والّذين اتّبعوهم باسلام وايمان { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } قد مضى كيفيّة رضوان الله ورضا العباد فى سورة البقرة فى بيان توّابيّته تعالى { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ } خبرٌ مقدّمٌ { مُنَافِقُونَ } مبتدءٌ مؤخّرٌ والجملة عطف على جملة من الاعراب من يتخذ والمعنى من الاعراب من دخل فى الاسلام مكرهاً ويتخذ ما ينفق (الى الآخر) ومنهم من دخل طوعاً لكنّه اخذ الاسلام بهوى النّفس واشار اليه بقوله ممّن حولكم فانّه يدلّ على انّه يتملّق لكم ويرضى عنكم او ممّن حولكم مبتدء ومن الاعراب خبره ومنافقون خبر بعد خبرٍ او مستأنف او حال بتقدير مبتدء، او منافقون خبر ومن الاعراب حال { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } عطف على ممّن حولكم او على من الاعراب او مبتدء وما بعده خبره والجملة عطف على سابقها { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } تمرّنوا عليه واعتادوه مستأنف او خبر من اهل المدنية على جواز قيام من التّبعيضيّة مقام الاسم او حال بتقدير قد { لاَ تَعْلَمُهُمْ } استيناف او حال او خبرٌ وهو اخبار للمؤمنين بحال المنافقين بايّاك أعنى واسمعى يا جارة، حتّى يكونوا على حذرٍ ممّن يحتملون نفاقه واعلامٌ لهم بمهارتهم فى نفاقهم { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } خبر او مستأنف او حال متداخلة او مترادفة { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } مرّة على كفرهم ومرّة على اظهارهم الاسلام نفاقاً او مرّة بنزعهم عن آمالهم ومتمنّياتهم ومرّة بمشاهدة ما اعدّ لهم فى الآخرة { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } فى القيامة.