خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ
١١٩
-التوبة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بعد ما ذمّ المتخلّفين عن رسول الله (ص) رغّب المؤمنين فى طاعته وعدم التّخلّف عنه ليكون اوقع ولان يجمع بين الوعد والوعيد كما هو شأن النّاصح الحكيم { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } اعلم، انّ الايمان قد يطلق على الاسلام الحاصل بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهرة وانقياد النّفس والقالب تحت احكام القالب المأخوذة من نبىّ (ع) او خليفته (ع)، وقد يطلق على الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة وانقياد القلب تحت احكام القلب المأخوذة من صاحب أحكام القلب وهو الايمان حقيقةً لصحّة سلب اسم الايمان عن الاسلام كما قال تعالى: { { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } [الحجرات:14] يعنى ما اعتقدتموه ايماناً ليس بايمان بل هو اسلام، والتّقوى من سخط الله وعذابه قد تطلق باعتبار مطلق الانزجار عن النّفس ومقتضياتها وهو مقدّم على الاسلام الحقيقىّ الّذى هو هداية للايمان، وقد تطلق باعتبار الانصراف عن النّفس وطرقها الى طريق القلب والسّلوك اليه والتّقوى بهذا المعنى لا تحصل الاّ بالايمان الخاصّ والبيعة الولويّة، لانّ الانسان ما لم يبايع بتلك البيعة لم يتّضح له طريق القلب فضلاً عن التّوجّه اليه والسّلوك عليه ولم يدخل الايمان فى قلبه، فهذه التّقوى لا تحصل قبل الاسلام ولا قبل الايمان بل هى مع الايمان وتكون بعد الايمان الى ان تحصل التّقوى من ذاته من غير شعورٍ بتقواه وهو الفناء التّامّ الّذى لا فناء بعده وبعده صحو وبقاء بالله واتّصاف بصفات الله الحقيقيّة والاضافيّة الّتى هى داخلة تحت اسم الرّحمن كما قال تعالى: { { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [مريم:85] يعنى بعد انتهاء التّقوى لهم صحو واتّصاف بصفة الرّحمانيّة الّتى هى مجمع سائر الصّفات الاضافيّة وباعتبار هذا المعنى خصّصوا التّقوى بشيعتهم، والصّدق لغةً وعرفاً مطابقة القول اللّفظىّ او النّفسىّ للواقع، وعند اهل الله النّاظرين الى الاشياء بما هى عليه الصّدق مطابقة الاقوال والافعال والاحوال والاخلاق والعلوم لما ينبغى ان يكون الانسان عليه، ولما هو نفس الامر لما ينتسب الى الانسان بما هو انسان، فانّ اللّطيفة الانسانيّة مظهر للعقل ان لم تكن محجوبةً باغشية الآراء النّفسيّة والكدورات الطّبيعيّة والعقل مظهر لله تعالى ومظهر المظهر مظهر، وما ينسب الى مظهر شيءٍ من حيث انّه مظهر ذلك الشّيء ينسب الى ذلك الشّيء حقيقةً ويصحّ سلبه عن المظهر كما فى قوله تعالى: فلم تقتلوهم فى عين انّ القتل كان بأيدهم فسلب نسبة القتل عنهم حيث انّهم لغاية الدّهشة ونزول السّكينة الّتى هى ظهور الحقّ تعالى كانوا مظاهر للسّكينة والسّكينة مظهر لله تعالى فسلب القتل عنهم واثبته للظّاهر فيهم وهو السّكينة اوّلاً والحقّ الاوّل ثانياً فقال: ولكن الله قتلهم اسقاطاً لحكم الظّاهر الاوّل ايضاً وكذا قوله تعالى: { { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال: 17] فما هو نفس الامر لما ينسب الى الانسان ان يكون بحيث ينسب حقيقة الى الله ويصحّ سلبه عن الانسان فما ينسب الى الانسان اذا لم يصحّ نسبته الى الله تعالى او لم يصحّ سلب نسبته عنه كان كذباً، وكما انّ القول فعل اللّسان كذلك الافعال والاحوال والاخلاق والعلوم قول الاركان والجنان، وصيغة الصّادق لغة تطلق على من اتّصف بصدقٍ ما من غير تعرّض لكونه سجيّة له او عرضيّاً لكنّه غلب فى العرف على من صار الصّدق سجيّةً له، فعلى هذا كان الصّادق من تمكّن فى الانسانيّة وصار كلّما صدر عنه موافقاً لما اقتضته انسانيّته، وهذا المعنى مخصوص بالانسان الكامل ولذا حصروا الصّادقين فى انفسهم، وصيغة الامر من الكون تدلّ على الاستمرار اذا اطلقت خصوصاً اذا كان بعدها ما يدلّ على المعيّة المشعرة بالاستمرار وان كان الامر من غير الكون مطلقاً عن التّقييد بالاستمرار وعدمه اذا اطلق، والمعيّة تصدق على المصاحبة البدنيّة البشريّة لكن استمرار تلك المصاحبة غير ممكن لافراد البشر حيث تحتاج لبعض ضروريّاتها الى المفارقة البدنيّة على انّها لا تفيد فائدة اخرويّة يعتنى بها اذا لم تقترن بالمصاحبة النّفسيّة، اما سمعت انّ اكثر المناقين كانوا اشدّ مصاحبه للنّبىّ (ص) من سائر الصّحابةَ! وبعضهم سابقاً فى الهجرة ومذكوراً فى الكتاب بالمصاحبة! ولمّا كان مصاحبتهم محض المصاحبة البدنيّة لم تنفعهم فى الآخرة، وتصدق على المصاحبة النّفسيّة مع رقائق الصّادقين المأخوين منهم من الفعليّة الحاصلة فى نفوس التّابعين بسبب البيعة والاتّصال الصّورىّ، وقبول الولاية الّتى هى بمنزلة الانفحة للبن الاعمال وبمنزلة البذر لزرع الآخرة ومن الذّكر الّذى يلقّنهم الصّادقون قلبيّاً كان او لسانيّاً، فانّ الذّكر المأخوذ من ولىّ الامر رقيقته ونازلته الّتى نزلت من مقامه العالى ولبست لباس الذّكر القلبىّ او اللّسانىّ وتحقيق هذا المطلب قد مضى شطرٌ منه، وتصدق على المصاحبة النّفسيّة مع حقائقهم الملكوتيّة الّتى يعبّر عنها بصورة الشّيخ وبالسّكينة القلبيّة وبالفكر والرّحمة والنّعمة والآية الكبرى والاسم الاعظم وللاشارة الى تينك المعنيين قال تعالى: { { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } [المعارج:23] لانّ هذا الذّكر والفكر صلاة حقيقيّة والصّلاة القالبيّة صورة تلك الصّلاة وقالت الصّوفيّة: ينبغى للسّالك ان يكون دائم الذّكر والفكر وقيل بالفارسيّة: "خوشا آنان كه دائم درنمازند" واستمرار تلك المعيّة امر ممكن وان كان النّاقصون من السّلاك فى تعسّرٍ منه، فمعنى الآية يا ايّها الّذين أسلموا بالبيعة العامّة النّبويّة اتّقوا الله بالبيعة الخاصّة الولويّة وداوموا على الذّكر المأخوذ من الصّادقين ان لم تكونوا من اهل الفكر، او على الذّكر والفكر ان كنتم من اهل الفكر، او يا ايّها الّذين آمنوا بالبيعة الخاصّة الولويّة اتّقوا الله فى الانصراف عن طريق القلب وداوموا على الذّكر والفكر.