خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ
٣٨
-التوبة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالايمان العامّ او بالايمان الخاصّ { مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } اى الجهاد الصّورىّ او فى طلب الولاية او فى طريق القلب بالجهاد الباطنىّ والّذكر والفكر ورفض الهوى وترك مأمول النّفس { ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ } ارض التّراب او ارض الطّبع او اراض النّفس، ونزول الآية فى غزوة تبوك، وسبب غزوة تبوك على ما نقل انّ رسول الله (ص) كتب كتاباً الى بعض حكّام ممالك الشّام وأرسل حارث بن عمر والازدىّ، ولمّا وصل الحارث الى موتة من قرى بلقاء من اعمال الشّام ومنها الى بيت المقدس مرحلتان، قتله شرحيل بن عمرو الغسانىّ احد امراء القيصر فوصل الخبر الى رسول الله (ص) فهيّاً سريّة موتة وجعل زيد بن حارثة اميراً عليهم وقال حين الوداع: "ان قتل زيدٌ فالامير جعفر بن أبى طالبٍ، وان قتل جعفر فالامير عبد الله بن رواحة، وان قتل عبد الله فالامير من ارتضاه المسلمون" ، وكان يهودىّ حاضراً فسمع مقالته فقال: يا ابا القاسم ان كنت صادقاً فى نبوّتك فكلّ من عيّنته للامارة فلا بدّ من ان يقتل، لانّ انبياء بنى اسرائيل اذا وجّهوا عسكراً الى قتال الاعداء وعيّنوا جمعاً للامارة هكذا قتلوا جميعاً، فتوجّه زيدٌ مع العكسر الى المقصد وبعد المقابلة مع الاعداء والمقاتلة قتل الّذين سماّهم الرّسول (ص) للامارة، وروى انّه ما افلت من اهل الاسلام الاّ قليلٌ، وروى انّ كثيراً منهم بقوا وغيّروا بعد يوم المقاتلة اوضاعهم فتوهّم شرحيل وظنّ وصول المدد الى اهل الاسلام وارتحل وصار متحصّناً، ورجع اهل الاسلام سالمين الى المدينة، وكان ذلك فى العام الثّامن من الهجرة وفى هذا العام كان فتح مكّة وغزوة حنينٍ مع بنى هوازن، ثمّ لمّا دخل العام التّاسع من الهجرة ورد عير الشّام المدينة واشاعوا فيها انّ سلطان الرّوم جمع الجنود يريد غزو المدينة، وانّ هرقل قد سار بجنودٍ عظيمة وجلب معهم غسّان وجذام وبهراء وقد قدّم عساكره البلقاء ونزل هو حمص، فأمر رسول الله (ص) اصحابه بالتهيّؤ الى تبوك وهى من بلاد البلقاء، وبعث الى القبائل حوله والى مكّة والى كلّ من اسلم وحثّهم على الجهاد وامر اهل الجدة ان يعينوا من لا قوّة له على الخروج، روى انّ ابا بكرٍ عرض جمع امواله، وانّ عمر بذل نصف امواله، وانّ عثمان جهّز مائتى ابلٍ، وقيل: ثلاثمائةٍ ابل، وبذل ألف دينارٍ وعبد الرّحمن بن عوف بذل اربعين وُقيّة من الّذهب وأربعة آلاف درهمٍ، وهكذا بذل كلّ بقدر همّته وسعته وبلغ عسكره (ص) الى ثلاثين الفاً، وقيل: الى اربعين الفاً، ولمّا كانت تلك الغزوة صعبةً لبعد السّفر وشدّة القيظ وكثرة جنود الاعداء تقاعد بعض عن الحركة والغزو فنزل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ } (الآيات)، وسار الرّسول (ص) بالعسكر فى غاية المحنة والمشقّة فى شدّة حرارة الهواء وقلّة الماء حتّى نزل بعين تبوك وكانت عينه قليلة الماء فغسل (ص) يده ووجهه بمائها فنبع الماء منها بحيث أخذ جميع العسكر منه باعجازه (ص) ومكث (ص) فى ذلك الموضع عدّة ايّام، فصحّ عنده (ص) انّ خبر خروج عسكر الرّوم كان كذباً فشاور الاصحاب فى الرّجوع ورجع من هناك، وبعث (ص) خالد بن الوليد مع اربعمائة وعشرين فارساً ليغير على دومة الجندل، وبعد وصولهم الى نواحى دومة الجندل فى اللّيل وجدوا اُكيدر حاكمها مع اخيه حسّان ومعدودٍ من خدمه فى طلب الصّيد فقاتلوهم وقتلوا حسّاناً واسروا اكيدر وانهزم قليلٌ منهم، ودخلوا الحصار وتحصّنوا مع اخيه الاخر مصاد فقال الخالد لأكيدر: لا اقتلك وأذهب بك الى رسول الله (ص) ان امرت أخاك واهل القلعة ان يفتحوا باب الحصار ويسلّموا الينا الف ابلٍ وسبعمائة بردٍ واربعمائة سنانٍ واشترط لك ان آخذ حكومة دومة الجندل لك من رسول الله (ص)، فقبل اكيدر وصالح وأرسل الى اخيه مصاد ان: افتح باب الحصار وهيّئ مال الصّلح، وبعد اخذ مال الصّلح رجع خالد ومعه أكيدر وأخوه مصاد ودخلوا المدينة سالمين غانمين { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } استفهام توبيخ { مِنَ ٱلآخِرَةِ } بدل الآخرة { فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } الفاء للسّببيّة باعتبار انكار الرّضا بالحياة الدّنيا.