خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٤٩
-التوبة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي } حكاية لقول بعضهم توهيناً وذمّاً له { وَلاَ تَفْتِنِّي } لا توقعنى فى الفساد والافتتان بنساء الرّوم كما روى انّه (ص) رغّب بعضاً فى الجهاد فى غزوة تبوك فقال: يا رسول الله والله انّ قومى يعلمون انّه ليس فيهم اشدّ عجباً بالنّساء منّى واخاف ان خرجت معك ان لا اصبر اذا رأيت بنات الرّوم فلا تفتنّى، او فلا تفتنّى بضياع المال والعيال، او فلا تفتنّى بالامر بالخروج وتخلّفى عنك ومخالفتى لامرك، او فلا تفتنّى بضياع البدن بالحركة فى الحرّ { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } يعنى انّ رغبتهم عن الخروج وعن امتثال أمرك ومصاحبتك هى فتنة عظيمةٌ لنفوسهم تهلكهم عن الحياة الانسانيّة الابديّة وقد وقعوا فيها ولا يمكنهم الخروج عنها، ولذلك اتى باداة الاستفتاح وقدّم المجرور واستعمل السّقوط { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } حال عن فاعل سقطوا او عطف على جملة فى الفتنة سقطوا، ولمّا كان هذا الحكم من شأنه ان ينكر فى بادى النّظر اتى بالمؤكّدات الثّلاثة ووضع المظهر موضع المضمر اشارة الى علّة الحكمين وابداءً لّذمٍ آخر لهم، اعلم، انّ عالم الطّبع واقع بين العالمين الملكوت العليا والملكوت السّفلى، والانسان الّذى هو خلاصة عالم الطّبع ايضاً واقع بين هاتين الملكوتين ولهما التّصرّف فى هذا العالم وفى بنى آدم، لكن تصرّف الملكوت العليا فى الخيرات والوجودات والجذب الى عالم الخيرات ومعدن النّور، وتصرّف الملكوت السّفلى فى الشّرور والاعدام والجذب الى عالم الظّلمة ومعدن الشّرور، والملكوت العليا عالم نورانىّ لا ظلمة فيها والملكوت السّفلى عالم ظلمانىّ لا نور فيها؛ والحاكم فى الاولى هو الله وفى الثّانية هو الشّيطان ومن هنا وهم الثّنويّة حيث انسلخ مرتاضوهم عن الطّبع واغشيته واتّصلوا بالمجرّدات فشاهدوا العالمين، فقال من لم يشاهد حكومة الملكوت العليا على السّفلى: انّهما قديمان حاكمان على العالم، وقال من شاهد ايجاد العليا للسّفلى: انّ السّفلى حادثة لكن لها التّصرّف والحكومة بالاستقلال على العالم، وقال من شاهد انّ فى كلّ من العالمين حاكماً وله الحكومة على عالمه وعلى عالم الطّبع، انّ للعالم آلهين: يزدان واهريمن، وقال بعض: انّ كلاً قديمٌ، وقال بعض: انّ اهريمن مخلوق حادث والملكوت السّفلى دار الشّياطين وسجن اهل الشّقاء وفيها النّار والجحيم وكلّ ما ورد فى الشّريعة من عذاب الاشقياء والكافرين ومن الحيّات والعقارب والزّقّوم والحميم، والانسان الواقع بين العالمين اذا توجّه الى تلك الملكوت باتّباع الشّياطين واختيار النّفس وشهواتها، ما لم يتمكّن فى هذا الاتّباع كان على شفير جهنّم وشفا جرف هذا الوادى، واذا تمكّن فى هذا الاتّباع بحيث لم يبق له حالة رادعة صار داخلاً فى هذا العالم وواقعاً فى مقام يحيط به لهب جهنّم وكان جهنّم محيطة به باعتبار جمراتها ولهباتها كما قال تعالى: وانّ جهنّم لمحيطة بالكافرين.