خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ
٤١
ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
٤٢
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
٤٣
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
٤٤
وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ
٤٥
إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ
٤٦
وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ
٤٧
وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ
٤٨

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
القصة الثالثة مما أُمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر ويذكرها وهي قصة أيوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما ابتلي به من المحنة ثم أكرمه الله بالعافية والعطية. ثم الأمر بذكر إبراهيم وخمسة من ذريته من الأنبياء عليه السلام.
قوله تعالى: { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } دعاء منه عليه السلام وسؤال للعافية وأن يكشف عنه ربه ما أصابه من سوء من سوء الحال، ولم يصرح بما يريده ويسأله تواضعاً وتذللاً غير أن نداءه تعالى بلفظ ربي يشعر بأنه يناديه لحاجة.
والنصب التعب، وقوله: { إذ نادى } الخ بدل اشتمال من { عبدنا } أو { أيوب } وقوله: { أني مسني } الخ حكاية ندائه.
والظاهر من الآيات التالية أن مراده من النصب والعذاب ما أصابه من سوء الحال في بدنه وأهله وهو الذي ذكره عنه عليه السلام في سورة الأنبياء من ندائه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين بناء على شمول الضر مصيبته في نفسه وأهله ولم يشر في هذه السورة ولا في سورة الأنبياء إلى ذهاب ماله وإن وقع ذكر المال في الروايات.
والظاهر أن المراد من مس الشيطان له بالنصب والعذاب استناد نصبه وعذابه إلى الشيطان بنحو من السببية والتأثير وهو الذي يظهر من الروايات، ولا ينافي استناد المرض ونحوه إلى الشيطان استناده أيضاً إلى بعض الأسباب العادية الطبيعية لأن السببين ليسا عرضيين متدافعين بل أحدهما في طول الآخر وقد أوضحنا ذلك في تفسير قوله تعالى:
{ { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء } [الأعراف: 96] في الجزء الثامن من الكتاب.
ولا دليل يدل على امتناع وقوع هذا النوع من التأثير للشيطان في الإِنسان وقد قال تعالى:
{ { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } [المائدة: 90] فنسبها أنفسها إليه، وقال حاكياً عن موسى عليه السلام: { { هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين } [القصص: 15] يشير إلى الاقتتال.
ولو أُغمض عن الروايات أمكن أن يحتمل أن يكون المراد بانتساب ذلك إلى الشيطان إغراؤه الناس بوسوسته أن يتجنبوا من الاقتراب منه وابتعادهم وطعنهم فيه أن لو كان نبياً لم تحط به البلية من كل جانب ولم يصر إلى ما صار إليه من العاقبة السوآى وشماتتهم واستهزاؤهم به.
وقد أنكر في الكشاف ما تقدم من الوجه قائلاً: لا يجوز أن يسلط الله الشيطان على أنبيائه عليه السلام ليقضي من تعذيبهم وإتعابهم وطره ولو قدر على ذلك لم يدع صالحاً إلا وقد نكبه وأهلكه، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب. انتهى.
وفيه أن الذي يخص الأنبياء وأهل العصمة أنهم لمكان عصمتهم في أمن من تأثير الشيطان في نفوسهم بالوسوسة، وأما تأثيره في أبدانهم وسائر ما ينسب إليهم بإيذاء أو إتعاب أو نحو ذلك من غير إضلال فلا دليل يدل على امتناعه، وقد حكى الله سبحانه عن فتى موسى وهو يوشع النبي عليه السلام:
{ { فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } [الكهف: 63]. ولا يلزم من تسلطه على نبي بالإِيذاء والإِتعاب لمصلحة تقتضيه كظهور صبره في الله سبحانه وأوبته إليه أن يقدر على ما يشاء فيمن يشاء من عباد الله تعالى إلا أن يشاء الله ذلك وهو ظاهر.
قوله تعالى: { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } وقوع الآية عقيب ندائه ومسألته يعطي أنه إيذان باستجابة دعائه وأن قوله تعالى: { اركض برجلك } الخ حكاية لما اوحي إليه عند الكشف عن الاستجابة أو هو بإضمار القول والتقدير فاستجبنا له وقلنا: اركض الخ. وسياق الأمر مشعر بل كاشف عن أنه كان لا يقدر على القيام والمشي بقدميه وكان مصاباً في سائر بدنه فأبرأ الله ما في رجليه من ضر وأظهر له عيناً هناك وأمره أن يغتسل منها ويشرب حتى يبرأ ظاهر بدنه وباطنه ويتأيد بذلك ما سيأتي من الرواية.
وفي الكلام إيجاز بالحذف والتقدير فركض برجله واغتسل وشرب فبرأه الله من مرضه.
قوله تعالى: { ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأُولي الألباب } ورد في الرواية أنه ابتلي فيما ابتلي بموت جميع أهله إلا امرأته وأن الله أحياهم له ووهبهم له ومثلهم معهم، وقيل: إنهم كانوا قد تفرقوا عنه أيام ابتلائه فجمعهم الله إليه بعد برئه وتناسلوا فكانوا مثلي ما كانوا عدداً.
وقوله: { رحمة منا وذكرى لأولي الألباب } مفعول له أي فعلنا به ما فعلنا ليكون رحمة منا وذكرى لاولي الألباب يتذكرون به.
قوله تعالى: { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب } في المجمع: الضغث ملء الكف من الشجرة والحشيش والشماريخ ونحو ذلك انتهى، وكان عليه السلام قد حلف لئن عوفي أن يجلد امرأته مائة جلدة لأمر أنكره عليها على ما سيأتي من الرواية فلما عافاه الله تعالى أمره أن يأخذ بيده ضغثاً بعدد ما حلف عليه من الجلدات فيضربها به ولا يحنث.
وفي سياق الآية تلويح إلى ذلك وإنما طوي ذكر المرأة وسبب الحلف تأدباً ورعاية لجانبه.
وقوله: { إنا وجدناه صابراً } أي فيما ابتليناه به من المرض وذهاب الأهل والمال، والجملة تعليل لقوله: { واذكر } أو لقوله: { عبدنا } أي لتسميته عبداً وإضافته إليه تعالى، والأول أولى.
وقوله: { نعم العبد إنه أواب } مدح له عليه السلام.
قوله تعالى: { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار } مدحهم بتوصيفهم بأن لهم الأيدي والأبصار ويد الإِنسان وبصره إنما يمدحان إذا كانا يد إنسان وبصر إنسان واستعملا فيما خلقا له وخدما الإِنسان في إنسانيته فتكتسب اليد صالح العمل ويجري منها الخير على الخلق ويميز البصر طرق العافية والسلامة من موارد الهلكة ويصيب الحق ولا يلتبس عليه الباطل.
فيكون كونهم أولي الأيدي والأبصار كناية عن قوتهم في الطاعة وإيصال الخير وتبصرهم في إصابة الحق في الاعتقاد والعمل وقد جمع المعنيين في قوله تعالى:
{ ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين } } [الأنبياء: 72 - 73] فجعلهم أئمة والأمر والوحي لأبصارهم وفعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة لأيديهم وإليه يؤل ما في الرواية من تفسير ذلك باولي القوة في العبادة والبصر فيها.
قوله تعالى: { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } الخالصة وصف قائم مقام موصوفه، والباء للسببية والتقدير بسبب خصلة خالصة، وذكرى الدار بيان للخصلة والدار هي الدار الآخرة.
والآية أعني قوله: { إنا أخلصناهم } الخ لتعليل ما في الآية السابقة من قوله: { أولي الأيدي والأبصار } أو لقوله: { عبادنا } أو لقوله: { واذكر } وأوجه الوجوه أولها، وذلك لأن استغراق الإِنسان في ذكرى الدار الآخرة وجوار رب العالمين وركوز همه فيها يلازم كمال معرفته في جنب الله تعالى وإصابة نظره في حق الاعتقاد والتبصر في سلوك سبيل العبودية والتخلص عن الجمود على ظاهر الحياة الدنيا وزينتها كما هو شأن أبنائها قال تعالى:
{ { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم } [النجم: 29 - 30]. ومعنى الآية وإنما كانوا أولي الأيدي والأبصار لأنا أخلصناهم بخصلة خالصة غير مشوبة عظيمة الشأن هي ذكرى الدار الآخرة.
وقيل: المراد بالدار هي الدنيا والمراد بالآية بقاء ذكرهم الجميل في الألسن ما دامت الدنيا كما قال تعالى:
{ ووهبنا له إسحاق ويعقوب } [الأنبياء: 72] إلى أن قال - { { وجعلنا لهم لسان صدقٍ عليّاً } [مريم: 50] والوجه السابق أوجه.
قوله تعالى: { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } تقدم أن الاصطفاء يلازم الإِسلام التام لله سبحانه، وفي الآية إشارة إلى قوله تعالى:
{ { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } [آل عمران: 33]. والأخيار جمع خير مقابل الشر على ما قيل، وقيل: جمع خيّر بالتشديد أو التخفيف كأموات جمع ميت بالتشديد أو بالتخفيف.
قوله تعالى: { واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار } معناه ظاهر.
(كلام في قصة أيوب عليه السلام في فصول)
1- قصته في القرآن: لم يذكر من قصته في القرآن إلا ابتلاؤه بالضر في نفسه وأولاده ثم تفريجه تعالى بمعافاته وإيتائه أهله ومثلهم معهم رحمة منه وذكرى للعابدين.
2- جميل ثنائه: ذكره تعالى في زمرة الأنبياء من ذرية إبراهم عليهم السلام في سورة الأنعام وأثنى عليهم بكل ثناء جميل، وذكره في سورة ص فعده صابراً ونعم العبد وأوّاباً.
3- قصته في الروايات: في تفسير القمي حدثني أبي عن ابن فضّال عن عبد الله بن بحر عن أبن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت؟ قال: لنعمة أنعم الله عز وجل عليه بها في الدنيا وأدى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس دون العرش فلما صعد ورأى شكر نعمة أيوب حسده إبليس.
فقال: يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبداً فسلّطني على دنياه حتى تعلم أنه لم يؤد إليه شكر نعمة أبداً فقيل له: قد سلطتك على ماله وولده.
قال: فانحدر إبليس فلم يبق له مالاً ولا ولداً إلا أعطبه فازداد أيوب لله شكراًً وحمداً، وقال: فسلّطني على زرعه يا رب. قال: قد فعلت فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيوب لله شكراً وحمداً فقال: يا رب سلّطني على غنمه فأهلكها فازداد أيوب لله شكراً وحمداً.
فقال: يا رب سلّطني على بدنه فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي في ذلك دهراً طويلاً يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود فكانت تخرج من بدنه فيردها فيقول لها: ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه، ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية.
وكانت امرأته رحمة بنت أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وعليها تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده.
قال: فلما طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره أتى أصحاباً لأيوب كانوا رهباناً في الجبال وقال لهم: مرّوا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته فركبوا بغالاً شهباً وجاءوا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم إلى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا: يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله يهلكنا إذا سألناه، وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره.
فقال أيوب: وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاماً إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة الله إلا أخذت بأشدهما على بدني. فقال الشاب: سوءة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها.
فقال أيوب: يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي فبعث الله إليه غمامة فقال: يا أيوب أدل بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أنا ذا قريب ولم أزل.
فقال: يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي. ألم أحمدك؟ ألم أشكرك؟ ألم أسبحك؟
قال: فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان: يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبحه وتكبّره والناس عنه غافلون؟ أتمنّ على الله بما لله فيه المنة عليك؟ قال: فأخذ التراب ووضعه في فيه ثم قال: لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي.
فأنزل الله عليه ملكاً فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرأ، وأنبت الله عليه روضة خضراء، ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه.
فأقبلت امرأته معها الكسرة فلما انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغير وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت: يا أيوب ما دهاك؟ فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمه سجدت لله شكراً. فرأى ذؤابتها مقطوعة وذلك أنه سألت قوماً أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام وكانت حسنة الذوائب فقالوا لها: تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك؟ فقطعتها ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاماً لأيوب، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مائة فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت. فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله عز وجل إليه { خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } فأخذ عذقاً مشتملاً على مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه.
أقول: وروي عن ابن عباس ما يقرب منه، وعن وهب أن امرأته كانت بنت ميشا بن يوسف، والرواية - كما ترى - تذكر ابتلاءه بما تتنفر عنه الطباع وهناك من الروايات ما يؤيد ذلك لكن بعض الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ينفي ذلك وينكره أشد الإِنكار كما يأتي.
وعن الخصال: القطان عن السكّري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام قال: إن أيوب عليه السلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب وإن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطّهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً.
وقال إن أيوب من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا تدوّد شيء من جسده وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه.
وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" .
وإنما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدّعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفاً لضعفه ولا فقيراً لفقره ولا مريضاً لمرضه، وليعلموا أنه يسقم من يشاء، ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء، وشقاوة لمن شاء، وسعادة لمن شاء، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة لهم إلا به.
وفي تفسير القمي في قوله تعالى: { ووهبنا له أهله ومثلهم معهم } الآية قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء، ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله له فعاشوا معه.
وسئل أيوب بعد ما عافاه الله: أي شيء كان أشد عليك مما مر؟ فقال: شماتة الأعداء.
وفي المجمع في قوله تعالى: { أني مسني الشيطان } الآية قيل: إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم فكان أيوب يتأذى بذلك ويتألم به ولم يشك الألم الذي كان من أمر الله سبحانه. قال قتادة: دام ذلك سبع سنين وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام.
(خبر اليسع وذي الكفل عليه السلام)
ذكر سبحانه اسمهما في كلامه وعدهما من الأنبياء وأثنى عليهما وعدهما من الأخيار وعد ذا الكفل من الصابرين ولهما ذكر في الأخبار.
ففي البحار عن الاحتجاج والتوحيد والعيون في خبر طويل رواه الحسن بن محمد النوفلي عن الرضا عليه السلام فيما احتج به على جاثليق النصاري أن قال عليه السلام أن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليه السلام مشى على الماء وأحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فلم يتخذه أُمته رباً، الخبر.
وعن قصص الأنبياء: الصدوق عن الدقاق عن الأسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني أسأله عن ذي الكفل ما اسمه؟ وهل كان من المرسلين؟.
فكتب عليه السلام بعث الله جل ذكره مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي. مرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وإن ذا الكفل منهم، وكان بعد سليمان بن داود، وكان يقضي بين الناس كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلا لله عز وجل وكان اسمه عويديا وهو الذي ذكره الله جلت عظمته في كتابه حيث قال: { واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار }.
أقول: وهناك روايات متفرقة أُخر في قصصهما عليهما السلام تركنا إيرادها لضعفها وعدم الاعتماد عليها.