خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٥٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
٥٦
لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ
٥٨
إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
٥٩
وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
٦٠
-غافر

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
لما قص قصة موسى وإرساله بالحق إلى فرعون وقومه، ومجادلتهم في آيات الله بالباطل ومكرهم فيها ونصره تعالى لنبيه وإبطاله كيدهم وما آل إليه أمرهم من خيبة السعي وسوء المنقلب فرّع على ذلك أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر منبهاً له أن وعد الله بالنصر حق وأن كيد قومه وجدالهم بالباطل واستكبارهم عن قبول دعوته سيبطل ويعود وبالاً على أنفسهم فليسوا بمعجزي الله وستقوم الساعة الموعودة ويدخلون جهنم داخرين.
قوله تعالى: { فاصبر إن وعد الله حق } إلى آخر الآية. تفريع على ما تقدم من الأمر بالاعتبار في قوله: { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم } وما أورد بعده من قصة موسى ومآل أمر المستكبرين المجادلين بالباطل ونصره تعالى للحق وأهله.
والمعنى: إذا كان الأمر على ذلك فاصبر على إيذاء المشركين ومجادلتهم بالباطل إن وعد الله حق وسيفي لك بما وعد، والمراد بالوعد ما في قوله قبيل هذا: { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا } الآية من وعد النصر.
وقوله: { واستغفر لذنبك } أمر له بالاستغفار لما يعد بالنسبة إليه ذنباً وإن لم يكن ذنباً بمعنى المخالفة للأمر المولوي لمكان عصمته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تقدم كلام في معنى الذنب والمغفرة في أواخر الجزء السادس من الكتاب.
وللذنب المنسوب إليه صلى الله عليه وآله وسلم معنى آخر سنشير إليه في تفسير أول سورة الفتح إن شاء الله تعالى، وقيل: المراد بذنبه صلى الله عليه وآله وسلم ذنب أُمته أُعطي الشفاعة فيه.
وقوله: { وسبح بحمد ربك بالعشي والإِبكار } أي نزهه سبحانه مصاحباً لحمده على جميل آلائه مستمراً متوالياً بتوالي الأيام أو في كل صباح ومساء، وكونه بالعشي والإِبكار على المعنى الأول من قبيل الكناية.
وقيل: المراد به صلاتا الصبح والعصر، والآية مدنية.
وفيه أن المسلم من الروايات ومنها أخبار المعراج أن الصلوات الخمس فرضت جميعاً بمكة قبل الهجرة فلو كان المراد به الفريضتين كان ذلك بمكة قبل فرض بقية الصلوات الخمس.
قوله تعالى: { إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } الخ تأكيد لما تقدم في الآية السابقة من أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر وتطييب نفسه بتأييد وعد النصر، ومحصله أن هؤلاء المجادلين لا ينالون بغيتهم ولن ينالوا فلا يحزنك جدالهم وطب نفساً من ناحيتهم.
فقوله: { إن في صدورهم إلا كبر } حصر للسبب الموجب لمجادلتهم في الكبر أي ليس عاملهم في ذلك طلب الحق أو الارتياب في آياتنا والشك فيها حتى يريدوا بها ظهور الحق ولا حجة ولا سلطان عندهم حتى يريدوا إظهارها بل الذي في صدورهم وهو الداعي لهم إلى الجدال، الكبر، يريدون به إدحاض الحق الصريح.
وقوله: { ما هم ببالغيه } الضمير لكبر باعتبار مسببه فإن الكبر سبب للجدال والجدال يراد به إبطال الحق ومحق الدعوة الحقة، والمعنى ما هم ببالغي مرادهم وبغيتهم من الجدال الذي يأتون به لكبرهم.
وقوله: { فاستعذ بالله } أي فاستعذ بالله منهم بما لهم من الكبر كما استعاذ موسى من كل متكبر مجادل كما قال: { وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب }.
وقوله: { إنه هو السميع البصير } أي السميع لدعاء عباده البصير بحوائجهم والذي يبصر ما هم فيه من شدة أو رخاء.
قوله تعالى: { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } اللام للقسم، والمراد بالسماوات والأرض مجموع العالم، ومعنى الآية حسب ما يعطيه المقام أنهم ليسوا ببالغي بغيتهم وليسوا بمعجزين فإن الله الذي قدر على خلق مجموع العالم ولم يعجزه ذلك على ما فيه من العظمة ليس يعجزه جزء يسير منه وهو الناس المخلوقون الذين هم أهون عليه ولكن أكثر الناس جاهلون يظنون بجهلهم أنهم يعجزون الله بجدال يجادلونه أو أي كيد يكيدونه.
قوله تعالى: { وما يستوي الأعمى والبصير } الخ لما ذكر أن أكثر الناس لا يعلمون أكده بأنهم ليسوا على وتيرة واحدة فإن منهم الأعمى والبصير ولا يستويان وعطف عليهما الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيء فالطائفة الأُولى أُولو بصيرة يتذكرون بها والثانية أعمى الله قلوبهم فلا يتذكرون.
وقوله: { قليلاً ما تتذكرون } خطاب للناس بداعي التوبيخ وهو الوجه في الالتفات من الغيبة إلى الحضور.
قوله تعالى: { إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } ذكّرهم تعالى في هذه الآية بإتيان الساعة وفي الآية التالية بدعوة ربهم إياهم إلى دعائه وعبادته كما نبه الذي آمن من آل فرعون في القصة السابقة بإتيان الساعة وبأن لله الدعوة وليس لآلهتهم دعوة في الدنيا ولا في الآخرة.
قوله تعالى: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } دعوة منه تعالى لعباده إلى دعائه ووعد بالاستجابة، وقد أطلق الدعوة والدعاء والاستجابة إطلاقاً، وقد أشبعنا الكلام في معنى الدعاء والإِجابة في ذيل قوله تعالى:
{ { أُجيب دعوة الداع إذا دعان } [البقرة: 186] في الجزء الأول من الكتاب.
وقوله: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } الدخور الذلة، وقد بدل الدعاء عبادة فدل على أن الدعاء عبادة.
(بحث روائي)
في الصحيفة السجادية: وقلت: { ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } فسميت دعاءك عبادة وتركه استكباراً وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين.
وفي الكافي بإسناده عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ادع ولا تقل: قد فرغ من الأمر فإن الدعاء هو العبادة إن الله عز وجل يقول: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } وقال: { ادعوني أستجب لكم }.
أقول: قوله عليه السلام: فإن الدعاء - إلى قوله - داخرين احتجاج على ما ندب إليه أولاً بقوله: ادع، وقوله: وقال: { ادعوني أستجب لكم } احتجاج على ما قاله ثانياً: ولا تقل: قد فرغ من الأمر ولذا قدم عليه السلام في بيانه ذيل الآية على صدرها.
وفي الخصال عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يا معاوية من أُعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة: من أُعطي الدعاء أُعطي الإِجابة، ومن أُعطي الشكر أُعطي الزيادة ومن أُعطي التوكل أُعطي الكفاية فإن الله عز وجل يقول في كتابه: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } وقال: { لئن شكرتم لأزيدنكم }، وقال: { ادعوني أستجب لكم }.
وفي التوحيد بإسناده إلى موسى بن جعفر عليه السلام قال: قال قوم للصادق عليه السلام: ندعوه فلا يستجاب لنا. قال: لأنكم تدعون من لا تعرفونه.
أقول: وقد أوردنا جملة من روايات الدعاء في ذيل قوله:
{ { أُجيب دعوة الداع إذا دعان } [البقرة: 186] في الجزء الأول من الكتاب.