قوله تعالى: { ودخل معه السجن فتيان } وفيه إضمار رأي دخل يوسف السجن ودخل معه فتيان { قال أحدهما إني أراني } يعني في المنام { أعصر خمراً } يعني عنباً { نبئنا بتأويله } أي أخبرنا تأويله وما يؤل اليه أمر هذه الرؤيا { إنا نراك من المحسنين } من الذين يحسنون عبارة الرؤيا، وروي أنه كان إذا مرض رجل منهم أدام عليه، وإذا ضاق أوسع عليه، وإذا احتاج جمع له، قوله تعالى: { قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله } وهو الاخبار بالغيب ويقول اليوم: { يأتيكما } طعام من صفته كيت وكيت فيجدونه كما أخبرهما، وجعل ذلك تخلصاً الى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض لهما الايمان ويزينه ويقبح لهما الشرك بالله { ذلكما مما علمني ربي } يعني ذلك التأويل والاخبار بالغيب { مما علمني ربي } أوحى إليّ { إني تركت } أي رغبت وليس المعنى أنه كان معطاه فتركه { واتبعت ملة آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب } الآية يعني { ذلك } التوحيد { من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } أي على الرسل وعلى المرسل إليهم لا ينهوهم عليه وأرشدوهم اليه ولكن أكثر الناس لا يشكرون هذه النعمة، قوله تعالى: { يا صاحبي السجن } سمّاهما بذلك لأنهما في السجن { أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } يعني عبادة واحد حي قادر أم عبادة أحجار وخشب لا تقدر ولا تحيي والقهار القادر الذي لا يمتنع عليه شيء { ما تعبدون من دونه } خطاب لهما ولمن كان على دينهما من أهل مصر { إلاَّ أسماء سميتموها } يعني أنتم سميتم ما لم تستحق الإِلهيَّة آلهة، وتسميتكم الأوثان آلهة لا تصح وهذه التسمية صدرت منكم ومن آبائكم ولا حقيقة لها { ما أنزل الله بها من سلطان } أي حجة { إن الحكم إلاَّ لله } أي الحكم على العباد في الأمر والنهي وقد أمركم { أن لا تعبدوا إلاَّ إيَّاه ذلك } يعني التوحيد والعدل وعبادة الله لا غيره { الدين القيم } المستقيم { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } لجهلهم ثم عبر رؤياهما فقال: { يا صاحبي السجن اما أحدكما فيسقي ربه خمراً }، قيل: للساقي تقف في السجن ثلاثة أيام ثم يخرجك الملك وتعود إلى ما كنت عليه، ومعنى ربه أي مالكه وسيده لأنه كان عبده، قوله تعالى: { وأما الآخر } وهو صاحب الطعام { فيصلب فتأكل الطير من رأسه }، وقيل: الذي أخبره بالصلب قال: ما رأيت شيئاً قال يوسف: { قضي الأمر } وروي أنهما قالا ما رأينا شيئاً فقال يوسف (عليه السلام): { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } يعني فرغ من الأمر الذي تسألان وتطلبان معرفته، نزل بكما ما قلتُ، وقيل: وقع الأمر، وإنما قاله عن وحي { وقال للذي ظنَّ أنه ناج منهما } الظان هو يوسف (عليه السلام)، وقيل: الظن يرجع الى الناجي، ومعنى ناج أي يتخلص من السجن { اذكرني عند ربك } أي اذكر صفتي عند الملك وقصّ عليه قصّتي لعله يرحمني { فأنساه الشيطان ذكر ربه } يعني أنسى الشيطان يوسف ذكر الله في تلك الحال فاستغاث بالمخلوف، وقيل: أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف عند الملك فلم يذكره { فلبث في السجن } أي مكث وبقي فيه { بضع سنين }، قيل: اثني عشر سنة، وقيل: سبع سنين، وقيل: قبلها خمس وبعدها سبع سنين، وعن الحسن: أنه كان يبكي إذا قرأها ويقول: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس، ثم بيَّن تعالى أنه لما قرب الفرج ليوسف (عليه السلام) رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هائلة.