{ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم}، قيل: كان في مصر أربعة أبواب فدخلوها من أبوابها منفردين {ما كان يغني عنهم من الله من شيء} أي لم يغن عنهم ذلك الاحتياط شيئاً إذا أراد الله ابتلاهم بشيء {إلاَّ حاجة في نفس يعقوب قضاها} كأن يراه صواباً، قيل: ما كان يخاف عليهم من العين والحسد، وقيل: أراد أن يدفع الله تعالى عن ولده ويردهم عليه، ثم بيّن تعالى دخولهم مصر وكيف جرى الأمر فقال تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه} بنيامين وضمه اليه، وروي أنهم قالوا هذا أخونا قد جئناك به، فقال: أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي ثم أكرمهم وأضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحده فبكى وقال: لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه، فقال يوسف (عليه السلام): بقي أخوكم وحيداً فأجلسه معه على مائدة وبات معه، فبات يوسف (عليه السلام) يضمه اليه، فقال يوسف: أتحب أن أكون بدلاً من أخيك؟ فقال: من يجد أخاً مثلك ولكن لم يلدك يعقوب، فقال له: {إني أنا أخوك} يوسف {فلا تبتئس} أي لا تحزن {بما كانوا يعملون} وروي أن بنيامين قال له: فإني لا أفارقك، قال: قد علمت اغتمام والدي، فإذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل لي إلى ذلك من، أي المصلحة في حبس أخيه، فجعل السقاية في رحل أخيه، وقوله: {فلما جهزهم بجهازهم} قضى حاجتهم وجعل لكل واحد حمل بعير {جعل السقاية}، قيل: هي المشربة التي كان يشرب بها الملك، وقيل: كأساً من ذهب، وقيل: كان يسقي بها الملك فلما جاء القحط جعلها يوسف مكيالاً {في رحل أخيه} التي يحمل فيها الطعام، ثم ارتحلوا فانطلقوا فأدركوا فحبسوا {ثم أذّن مؤذّن} أي نادى منادٍ {أيتها العير} القافلة {إنكم لسارقون} ومتى قيل: لم جاز النداء بالكذب؟ قالوا فيه: أن يوسف لم يأمرهم بذلك ولم يعلمهم وإنما أمر بجعل السقاية في رحل أخيه، فلما فقدها المتوكلون اتهموهم بسرقها فنادوهم بذلك، وقيل: عنوا به أنكم لسارقون يوسف على أبيه، قال أبو علي: أعلم أخاه أنه يحتال لاحتباسه عنده {قالوا وأقبلوا عليهم} لما سمعوا النداء أقبلوا على المنادي أي عطفوا عليه بوجوههم وقالوا: {ماذا تفقدون} أي ما الذي ضلَّ عليكم {قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} أي كفيل، بقوله المنادي وكان زعيم القوم {قالوا} يعني أخوة يوسف (عليه السلام) {تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض} روي أنهم لما دخلوا مصر سدُّوا أفواه دوابهم كيلا تتناول حرث الناس، وكانوا لا يظلمون أحداً، ولا يطأون زرعاً، ومتى قيل: لم نودوا بالسرقة ولم يسرقوا؟ فالجواب ما تقدم، وقيل: كان ذلك في علم يوسف أنهم يسرقونه من أمه {وما كنا سارقين} أي ما كنا نوصف قط بالسرقة {قالوا فما جزاؤه}، قيل: السارق، وقيل: جزاء السارق {إن كنتم كاذبين} في قولكم ما كنا سارقين {قالوا جزاؤه من وجد في رحله} أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله وكان حكم السارق في أولاد يعقوب أن يسترق سنة، وقوله: {فهو جزاؤه} تقدير الحكم فأخذ السارق نفسه هو جزاؤه لا غير.