قوله تعالى: {من كان يريد العاجلة} الآية نزلت في قوم من المجاهدين طلبوا عاجل الدنيا وهو الغنائم دون ثواب الله، ومعناه من كان يريد العاجلة أي النعمة العاجلة وهي الدنيا {عجلنا له فيها ما نشاء} من البسط، فتعلق ذلك بمشيئته لا بمشيئة العبد فقد يشاء العبد ما لا يشاء الله تعالى {ثم جعلنا له جهنم} أي مأوى من يريد الدنيا {يصلاها مذموماً} معيباً، يعني يذمه الله ويعيبه وكذلك الملائكة والمؤمنون {مدحوراً} مطروداً مبعداً من رحمته {ومن أراد الآخرة} أي نعيمها وثوابها {وسعى لها سعيها} أي عمل للآخرة لأجل الثواب {فأولئك كان سعيهم مشكوراً} عند الله {كُلاًّ نمدّ هؤلاء} يعني من تقدم ذكره ممن يريد العاجلة ويريد الآخرة نمدّ أي نعطي البر والفاجر من رزقه في الدنيا والآخرة المؤمنين خاصة {من عطاء ربك} أي نعمة {وما كان عطاء ربك محظوراً}، قيل: ممنوعاً محبوساً من البر والفاجر {انظر} يا محمد أو أيها السامع {كيف فضلنا بعضهم على بعض}، قيل: في الرزق باغناء بعضهم وافقار آخرين، وأصح قوم وأسقم قوم آخرين {وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً} {لا تجعل مع الله الها آخر فتقعد مذموماً مخذولاً} يذمك الله وملائكته والعلماء، مخذولاً لا ناصر لك {وقضى ربك} أمر، وقيل: ألزم وأوجب {ألاَّ تعبدوا إلاَّ إياه وبالوالدين إحساناً} أو بأن تحسنوا بالوالدين إحساناً {إمَّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف} أراد تأكيد الأمر بالإِحسان اليهما، وفي أفٍّ ثلاث قراءات بكسر الفاء من غير تنوين، وقرأ أبو عمرو وحمزة بفتح الفاء من غير تنوين، ابن كثير الفاء والتنوين، نافع لا يؤخرهما {وقل لهما قولاً كريماً} حسناً جميلاً، ويدل عليه أن الدعاء لهما مندوب كما قال: {وقل رب ارحمهما} وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما" .
"وشكا رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أباه يأخذ ماله، فدعا به فإذا بشيخ يتوكّأ على عصا فسأله فقال: إنه كان ضعيفاً وأنا قوي وفقيراً وأنا غني فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي واليوم أنا ضعيف وهو قوي وفقير وهو غني ويبخل عليّ بماله، فبكى (عليه السلام) وقال: ما من حجر ولا مدر سمع هذا إلا بكى ثم قال للولد: أنت وما لك لأبيك" وشكا اليه آخر سوء خلق أمَّه فقال: "لم تكن سيئة الخلق حين حملتك لم تكن كذلك حين أرضعتك" وروي: "يفعل العاق ما شاء أن يفعل فلن يدخل الجنة" وعنه (عليه السلام): "إياكم وعقوق الوالدين فإن الجنة يوجد ريحها من مسير ألف عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان" {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} المراد بالجناح الجناب أي ليّن لهما جناحك {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}، قوله: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} بما في ضمائركم، قوله تعالى: {إن تكونوا صالحين} قاصدين الانصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب {فإنه كان للأوابين غفوراً} الذين يتوبون مرة بعد مرة، وروي أنه قال: كلما أذنبت بادرت بالتوبة وهم الذين يصلون بين المغرب والعشاء.