{ فانطلقا } سارَا { حتى إذا لقيا غلاماً فقتله }، قيل: مرّ الخضر بصبيان يلعبون فأخذ غلاماً فذبحه بالسكين قيل: كان غلاماً يعمل بالفساد بالأولاد، وقيل: كان غلاماً شاباً وسمي غلاماً لقرب عهده، وقيل: كان يقطع الطريق ويلجأ إلى أبويه فيحلفان، وروي أن الخضر نزع رأسه من بين عينيه، وقيل: ضربه برجله فقتله { قال } موسى { أقتلت نفساً زكية } طاهرة من الذنوب، وزكية: بريئة من الذنوب لأنها كانت صغيرة، يعني نفس لم تستحق القتل { لقد جئت شيئاً نكراً } { قال } له الخضر: { ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } أي نفسك لا تطاوعك وليس هذا بتوبيخ وذم وإنما هو تحقيق لما قاله له أولاً من نهيه عن السؤال فقال موسى عند ذلك: { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } وفارقني، وإنما قال له ذلك قطعاً للعذر { قد بلغت من لدنّي عذراً } أي أنت معذور في فراقي وقطع صحبتي { حتى إذا أتيا أهل قرية }، قيل: أنطاكية عن ابن عباس، وقيل: الأيلة، وقيل: ليس هذه شيء { استطعما أهلها } أي سألا الطعام ويباح في سائر الشرائع للجائع وربما يجب إذا خاف الضرر { فأبوا أن يضيفوهما } أي امتنعوا أن يضيفوهما { فوجدا فيها جداراً }، قيل: كان بناه رجل صالح وكان ظهر الطريق يمر تحته الناس، وروي أن كان طوله في السماء مائة ذراع عن وهب، وقيل: ماءتي ذراع، وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع { يريد أن ينقض } أي يكاد ويقارب أن يسقط لأنه مال من أسفله، والجدار لا إرادة ولكن هذا من فصيح الكلام وإعجازه { فأقامه }، قيل: رفع الجدار بيده فاستقام، وقيل: رفعه بمنكبه حتى قام، وقيل: هدمه ثم قعد يبنيه فقال موسى: { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } أي جعلاً وأجرة ويكون لنا عوناً على سفرنا، قوله تعالى: { قال } الخضر: { هذا فراق بيني وبينك }، قيل: هذا الوقت فراق بيني وبينك { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } أي لا تطاوع نفسك بالصبر عليه، ثم حكى تعالى ما بيَّن العالم لموسى من وجه المصلحة، فيما فعل فقال تعالى: { أما السفينة فكانت لمساكين } فقراء، وقيل: كان لعشرة أخوة خمسة رببا وخمسة { يعملون في البحر }، وقيل: كانت في أيديهم إجارة { وكان وراءهم ملك }، قيل: امامهم، وقيل: خلفهم، وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر { يأخذ كل سفينة غصباً } صالحة غير معيبة، وقرأ ابن عباس كل سفينة صالحة، قيل: اسم الملك جلندى، وقيل: هودا { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا } أي علمنا، قيل: هذا من قول الخضر، وقيل: هو من قول الله تعالى: { ان يرهقهما } أي يهلكهما { طغياناً وكفراً } وذلك مفسدة في الدين { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً } صالحاً سالماً، والزكاة الطهارة، والرحم الرحمة، وروي أنه ولد لهما جارية تزوجت بنبي فولدت نبياً هدى الله على يديهما أمة من الأمم، وقيل: ولدت سبعين نبياً، وقيل: أبدلهما الله ابناً مؤمناً { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة }، قيل: اسمهما مريم وأضرم، فحفظ الكنز لصغرهما وضعفهما وصلاح أبيهما { وكان تحته كنز لهما }، قيل: كان صحف علم مدفونة تحته، وقيل: مال مدفون من ذهب وفضة، وقيل: لوح من ذهب مكتوب فيه عجباً لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجباً لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجباً لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجباً لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجباً لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن اليها، لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله، وقيل: مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجباً كما تقدم { وكان أبوهما صالحاً }، قيل: كان اسمه كاشح وهو أبوهما، وقيل: كان الأب الصالح السابع من أبيهما { فأراد ربك أن يبلغا أشدهما }، قيل: ثمانية عشر سنة، وقيل: غير ذلك { ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك } أي كان ذلك نعمة منه عليهما { وما فعلته عن أمري } من تلقاء نفسي ولكن بأمر الله تعالى { ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً } أي لم تطاوع نفسك على الصبر، ثم بيَّن تعالى قصة ذي القرنين بعد ذلك، قيل: سألت اليهود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قصة ذي القرنين، وقيل: قالوا للمشركين: اسألوه عن ذلك، فأنزل الله تعالى الآيات.