{ يا زكريا إنَّا نبشرك } يعني نخبرك بخبر يسرّك { بغلام اسمه يحيى }، قيل: بشَّره بالولد وأنه يحيى ولا يموت صغيراً، وقيل: سمّاه يحيى ليدل على أن الدين يحيى به { لم نجعل له من قبل سميَّاً } لم نسم أحداً قبله، وقيل: لم نجعل له من قبل سمياً أي نظيراً { قال رب أنّى يكون لي غلام } أي كيف يكون لي ولدٌ، قيل: هذا تعجب وليس بإنكار، وقيل: إستخبار، وقيل: قاله سروراً كمن يستر بشيء يسره فيقول، كيف يكون هذا؟ { وقد بلغت من الكِبَر عتيَّاً }، قيل: عمراً طويلاً، وقيل: كان له بضع وتسعون سنة { قال كذلك قال ربك هو عليَّ هيِّنٌ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً } { قال } زكريا: { رب اجعل لي آية } أي علامة للحمل، قيل: أراد أن يعلم وقت الحمل فأجاب دعاءه { قال آيتك } علامتك { ألاَّ تكلِّم الناس ثلاث ليالٍ سوياً } يعني لا يمكنك أن تتكلم وأنت سوي سليم، وروي أنه كان لا يمكنه أن يكلم الناس ويتكلم بالقراءة والتسبيح { فخرج على قومه من المحراب } موضع صلاته { فأوحى إليهم } فأشار اليهم بيده، وقيل: بالكلام { أن سبحوا بكرةً وعشيَّاً }، قيل: أراد الدوام، وقيل: أراد الصلاة { يا يحيى خذ الكتاب بقوَّة } أي قلنا ليحيى لما خلق وعقل، وقيل: لما بلغ أشدَّه، وقيل: أكمل عقله في صباه وصِغر سنِّهِ، والكتاب: التوراة، بقوة: بجدّ واجتهاد ومواظبة في العمل { وآتيناه الحكم صبيَّاً } وهو الفهم للتوراة والفقه في الدين عن ابن عباس، وقيل: دعاه الصبيان وهو صبي للّعب فقال: ما لِلّعب خلقنا، وقيل: العقل، وقيل: التوراة لأن الله أكمل عقله في صباه وأوحى اليه { وحناناً } رحمة لأبويه وغيرهما وتعطفاً وشفقة، وقيل: حناناً من الله عليهما { من لدنا } من عندنا، والزكاة: الطهارة، وقيل: الصدقة { وكان تقياً } أي مخلصاً مطيعاً مجتنباً للمعاصي، { وبرّاً بوالديه } قيل: باراً وهو اللطف بهما والطاعة لهما وطلب رضاهما { ولم يكن جباراً }، قيل: يتطاول على الخلق، ولم يكن جباراً { عصياً } لربه، ثم بشّره بأنه مسلِّم على يحيى فقال: { وسلام عليه }، قيل: سلامة له في الدنيا من المعاصي وفي الآخرة من العذاب، وقيل: تسليم الملائكة، وقيل: سلام الله عليه في هذه المواطن والأحوال لأنها أوحش المواطن، وقيل: سلامة له من بلاوي الدنيا وعذاب القبر وأهوال الحشر وعذاب النار، وقيل: سلامة له { يوم ولد } من ضرب الشيطان، وروي أن بكاء الصبي من ذلك، ثم عطف قصة مريم وعيسى على قصة زكريا ويحيى فقال سبحانه: { واذكر } يا محمد { في الكتاب } يعني في كتابك { مريم إذ انتبذت من أهلها } والانتباذ والإِعتزال والإِنفراد واحد يعني تخلَّت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أو من دارها معتزلة من الناس، وقيل: كانت به ما دامت طاهرة، فإذا حاضت تحوّلت إلى بيت خالها وهي بيت زكريا، وإذا طهرت واغتسلت عادت إلى المسجد، فبينا هي في مغتسلها أتاها الملك في صورة آدمي شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوي الخلق، وإنما مثل لها في صورة الإِنسان لتأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو أتاها في صورة الملائكة لنفرت عنه ولم تقدر على كلامه، ودلّ على ورعها وعفتها أنها تعوّذت بالله من تلك الصورة الجميلة، وكان تمثيله على تلك الصورة الجميلة ابتلاء لها، وقيل: كانت في منزل زوج خالتها زكريا ولها محراب على حدة سكنة، وكان زكريا إذا خرج أغلق عليها فتمنت أن تجد خلوة في الجبل تعلي رأسها، فانحفر السقف لها فخرجت فجلست في الشرفة وراء الجبل فأتاها الملك، قيل: قام بين يديها، وقيل: أن النصارى اتخذت المشرق قبلة لانتباذ مريم { مكاناً شرقياً } فأرسلنا { إليها روحنا } وهو جبريل (عليه السلام) { فتمثَّل لها بشراً سوياً } { قالت إني أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقياً }، قيل: إن كنت مؤمناً مطيعاً، فاخرج فإني استعيذ بالله منك، وقيل: معناه ما كنت تقياً حيث استحللت بالنظر إلي وخلوت بي قال: { إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً } يعني نبياً ولداً طاهراً، فلما علمت صدقه بمعجزة ظهرت لها { قالت رب } أي يا رب: إرادة الدعاء لله تعالى { أنَّى } كيف { يكون لي غلامٌ } والمعتاد أن الولد يحدث عند الوطي { ولم يمسسني بشر } قط بالزوجيَّة وما كنت { بغيَّاً } فاجرة، قال يعني جبريل لمريم: { كذلك قال ربك }، قيل: هكذا قال ربك، وقيل: قال يعني جبريل لمريم: { كذلك قال ربك هو عليَّ هيّن } أي سهلٌ يعني خلق الولد من غير أب، { ولنجعله آية للناس } أي حجَّة للناس يدلّهم على التوحيد، وقيل: معجزة { ورحمة منا } أي نعمة لأنه يدعوهم إلى ما قبلوا كان لهم رحمة كان رحمة، وقيل: رحمة لمن تبعه في دينه { وكان أمراً مقضياً } أي محكماً، وقيل: أمراً قضاه الله وصدره في اللوح المحفوظ.