خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١١
يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٢
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ
١٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
١٤
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
١٥
-الحج

تفسير الأعقم

{ ومن الناس من يعبد الله على حرف } الآية نزلت في ناس من المنافقين كان بعضهم إذا قدم المدينة مهاجراً وصح جسمه ونتجت فرسه مهراً وولدت امرأته غلاماً وكثرت ماشيته رضي به واطمأن اليه وقال: ما أصبت مذ دخلت في هذا الدين إلاَّ خيراً، وإن أصابه وجع باطن وولدت امرأته جارية وذهب ماله قال: ما أصبت من يوم دخلت في هذا الدين إلاَّ شراً، فنزلت الآية { ومن الناس من يعبد } عن ابن عباس، وقيل: نزلت في المنافقين لأنهم يمدحون الدين في وقت ويذمونه في وقت، وقيل: نزلت في بني أسد جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسألوه أفضاله فإن أعطاهم قالوا: نعم الدين هذا، وإن منعهم قالوا: نرجع إلى الشرك، الحرف والطرف والجانب نظائر ومنه حرف السيف { فإن أصابه خير } في بدنه وسعة في معيشته { اطمأن به } أي شكر { وإن أصابته فتنة } بلاء في جسمه وضيق في معاشه { انقلب على وجهه } أي رجع إلى ما كان عليه { خسر الدنيا والآخرة } أي ذهب حظه في الدارين من العز والكرامة { ذلك هو الخسران المبين } الظاهر { يدعو } من يعبد الله على حرف { ما لا يضره وما لا ينفعه } يعني الأوثان لا ينفع إن أطاعه ولا يضر إن عصاه { ذلك هو الضلال البعيد } أي الذاهب عن الحق { يدعو لمن ضرُّه أقرب من نفعه }، قيل: الأصنام، وقيل: الرؤساء لأنها لا تنفع وعبادتها تضر { لبئس المولى ولبئس العشير } المولى الناصر، والعشير الصاحب النافع، ثم بيَّن تعالى ما ينال باتباع أمره إذا كان من تقدّم باتباعهم الضلال فقال سبحانه: { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنَّات تجري من تحتها الأنهار } أي من تحت أشجارها وأبنيتها { إن الله يفعل ما يريد } فيجازي كل أحد بعمله، وقيل: نزول قوله: { من كان يظن أن لن ينصره الله } الآية نزلت في أسد وغطفان تنافلوا عن الإِسلام وقالوا: نخاف أن لا ينصر محمد فيقطع الذي بيننا وبين اليهود من الحلف فلا يميرونا، قال جار الله: هذا كلام قد دخله اختصار، والمعنى أن الله ناصر رسوله { في الدنيا والآخرة } الآية فمن كان يظن حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك ويطمع فيه فليستقص وسعه ويستفرغ جهده في إزالة ما يعطيه بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مدَّ حبلاً إلى سماء بيته فاختنق { فلينظر } ويتصور في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يعطيه، وسمي الاختناق قطعاً لأن المختنق يقطع نفسه، وسمي فعله كيداً لأنه وضعه موضع الكيد حيث لم يقدر على غيره أو على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكيد به محسوده إنما كاد به نفسه، وقيل: فليمدد بحبل إلى السماء المظلمة، وليصعد عليه فليقطع الوحي أن ينزل، وقد فسر النصر بالرزق، وقيل: معناه أن الأرزاق من الله لا ينال إلا بمشيئته، ولا بدّ للعبد من الرضا بقسمته، فمن ظن أن الله غير رازقه وليس به صبر فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق، قال في الحاكم: من كان يظن أن الله لا ينصر نبيّه وأنه يتهيَّأ له أن يغلب نبيّه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { فليمدد بسبب إلى السماء } أي ليطلب شيئاً يصل به إلى السماء فيقطع نصر الله لنبيَّه على أعدائه، وإنما ذكر السماء لأن النصر يأتيه من قبل السماء ومن قبل الملائكة.