قوله تعالى: { الذين ينفقون في السرَّاء والضرَّاء } في حال الرخاء واليسر وحال الضيق والعسر { والكاظمين الغيظ } أي الحابسين له وأصل الكظم حبس الشيء عند امتلائه، وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما من جرعة أكرم عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله" وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "رأيت قصوراً مشرفة على الجنة قلت: لمن هذه؟ قالوا: للكاظمين الغيظ" وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من كتم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً" قوله تعالى: { والعافين عن الناس } إذا حيف عليهم أحد لم يؤاخذوه، وروي أنه ينادي منادي يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله، فلا يقوم إلا من عَفَى، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ هؤلاء في أُمَّتي قليل إلاّ من عصم الله وقد كانوا كثيراً في الأمم الماضية" قوله تعالى: { والله يحب المحسنين } إلى من أساء إليهم، وقيل: إلى الناس، وقيل: المحسنين، ومعنى محبة الله تعالى إكرامهم بالثواب، قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشةً } أراد الزنا والقُبلة، وقيل: الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة، قوله: { أو ظلموا أنفسهم } قال جار الله: إذا أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به، وقيل الفاحشة: الزنا وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة ونحوها، { ذكروا الله } ذكروا عقابه ووعيده ونهيه { فاستغفروا لذنوبهم } تابوا عنها لقبحها نادمين { ولم يصرّوا على ما فعلوا } ولم يقيموا على ما فعلوا ولم يقيموا على قبح قولهم غير مستغفرين، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة" وروي لا صغيرة مع الإِصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى (عليه السلام): "ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل" وروي طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، قوله تعالى: { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات } قال الحسن البصري يقول الله تعالى يوم القيامة: "جُوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم" وعن رابعة البصريَّة أنها كانت تنشد هذا البيت:
ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها ان السفينة لا تجري على اليبس
قوله تعالى: { قد خلت من قبلكم سنن } يريد ما سنَّه الله في الأمم { المكذبين } من وقائعه، كقوله تعالى: { { أخذوا وقتلوا تقتيلا } [الأحزاب: 61] { { سنة الله في الذين خلوا من قبل } [الأحزاب: 38] قوله تعالى: { هذا بيان للناس } إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب، يعني حثَّهم على النظر في سوء عواقب المكذبين قبلهم والإِعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم، قوله تعالى: { وهدى وموعظة للمتقين } يعني أنه مع كونه بياناً وتنبيهاً للمكذبين فهو زيادة تثبيت وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين.