{ وإذ يقول المنافقون } معتب بن قشير وأصحابه { والذين في قلوبهم مرض } شك وضعف { ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } أي خبر بما لا حقيقة له ولم يعلموا أن النصر في دار الدنيا يكون عقيب الامتحان { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب } قيل: هم المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه، وقيل: هم اليهود الذين هم قرب المدينة { لا مقام لكم } أي ليس هذا موضع إقامة، وقيل: لا إقامة لكم ها هنا { فارجعوا } إلى منازلكم، أمروهم بالهرب من معسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: قالوا لهم: ارجعوا كفاراً وأسلموا محمداً { ويستأذن فريق منهم النبي } في الرجوع إلى منازلهم وهم بنو حارثة { يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة }، قيل: مكشوفة ليست بحصينة فأكذبهم الله فإنهم لا يخافون ذلك وإنما يريدون الفرار من الزحف { ولو دخلت } المدينة، وقيل: بيوتهم { من أقطارها } من حواليها { ثم سُئِلوا } عند ذلك الفزع وهو دخول المدينة { والفتنة } الردة والرجعة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين { لأتوها } لجاؤوها وفعلوا، وقرئ لآتوها لأعطوها { وما تلبثوا بها إلاَّ يسيراً } يعني ما لبثوا عن الإِسلام إلاَّ ساعة ثم ارتدوا هذا قول أكثر المفسرين، وقيل: ما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلاً حتى يهلكوا { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل } عاهدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم، وقيل: هم قوم غابوا عن بدر، وقيل: عاهدوا بعد أحد ألاَّ يفروا بعدما نزل فيهم ما نزل { وكان عهد الله مسؤولاً } مطلوباً { قل لن ينفعكم الفرار } مما لا بد لكم من نزوله من موت أو قتل { وإذاً لا تمتعون إلا قليلاً } في الدنيا ثم الموت، ويقال الدنيا كلها { قل } يا محمد { من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً } يلي أمرهم ويعينهم { ولا نصيراً } ينصرهم { قد يعلم الله المعوقين منكم } المثبطين الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { والقائلين لإِخوانهم } يعني اليهود قالوا لإِخوانهم من المنافقين، وقيل: القائلون هم المنافقون لإِخوانهم من ضعفة المسلمين { هلمّ إلينا } أي تعالوا إلينا ولا تحاربوا ودعوا محمداً لا تشهدوا معه الحرب { ولا يأتون البأس إلا قليلاً } يعني قليلاً من المنافقين يخرجون رياء وسمعة يحضرون بأنفسهم ويمنعون غيرهم { أشحة عليكم } بالمواساة بأنفسهم وأموالهم، وقيل: كانوا يحضرون الوقعة للغنيمة كيلا يختص بها المؤمنون { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك } في تلك الحالة كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت { فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد } قيل: جادلوكم مدحوا أنفسهم وذم غيرهم يقولون: نحن فعلنا كذا وضربنا بالسيف كذا، ولم يفعلوا شيئاً من ذلك، وقيل: خاصموكم طلباً للغنيمة وقت القسمة ويقولون: أعطونا وانا قد شهدنا معكم القتال، وقيل: اطلقوا ألسنتهم بالمعاذير الكاذبة { أشحة على الخير } قيل: بخلاء الخير، وقيل: يبخلون أن يتكلموا بكلام فيه خير كأنهم عند الخوف أخير القوم وعند القسمة أبخل القوم { أولئك لم يؤمنوا } كما آمن غيرهم بالخير { فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً } هيّناً { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } أي ظنّ المنافقون أن جماعات قريش وغطفان وغيرهم من اليهود والذين تحزبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يذهبوا ولم ينصرفوا، وإنما ظنوا ذلك لشدة خبثهم وقلَّة إيمانهم وقد انهزموا بالريح { وإن يأت الأحزاب } أي رجعوا مرة ثانية { يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } أي كانوا بالبادية مع الأعراب ولم يشهدوا هذا المقام لكراهة الجهاد { يسألون عن أنبائكم } أي عن أخباركم، قيل: يسأل بعضهم بعضاً: { ولو كانوا فيكم } يعني المنافقين { ما قاتلوا إلا قليلاً } منهم يراؤون بأنهم فيكم وقصدهم الغنيمة.