{وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً}، قيل: سداً عن الحق، عن قتادة ومجاهد أي على جهة الذم حكمنا على أنهم بغير حق وبينهم وبين الحق سدَّاً، وقيل: أراد التشبيه أي كان بين أيديهم سداً يمنعهم من الايمان، وقيل: بل هو على حقيقته في القيامة وهو عبارة عن ضيق المكان في النار لا يجدون متقدماً ولا متأخراً {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} في النار، وقيل: معناه أنهم وإن انصرفوا عن الإِيمان والقرآن لزمهم ذلك حتى لا يتخلصون عنه {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} أي لا ينفع الانذار بهم {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب}، قيل: في حال غيبتهم عن الناس، وقيل: ما غاب عنه في أمر الآخرة {فبشِّره} يعني هؤلاء {بمغفرة} من الله {وأجر كريم} أي ثواب خالص {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا} من الأعمال {وآثارهم} مالهم، وقيل: أعمالهم التي صارت سنَّة بعد حسنا كان أو قبيحاً أو ما خلفوه من الأموال {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} أي كتاب مبين وهو اللوح المحفوظ {واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية} يعني خبر القرية التي أهلكها الله تعالى بتكذيب الرسل، والقرية انطاكية {إذ جاءها المرسلون}، قيل: رسل عيسى، وقيل: هم رسل الله بعثهم إلى القرية، قال الحاكم: وهو الوجه، والذي قال جار الله: أنهم رسل عيسى وقد ذكره أيضاً في الحاكم إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان أرسل {اليهم اثنين}، فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب يس، فسألهما فأخبراه، فقال: معكما آية؟ فقالا: نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص، وكان له ولد مريض سنين فمسحا عليه فقام، فآمن حبيب وفشا الخبر فشفي على أيديهما خلق كثير، ورقى حديثهما إلى الملك فقال لهما الملك: ألكما إله سوى آلهتنا؟ قالا: نعم من أوجدك وآلهتك، فقال: حتى انظر في أمركما وتبعهما الناس فضربوهما، وقتل حبيباً فبعث عيسى شمعون فدخل متنكراً وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك وأنس به، وقال له ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين هل سمعت ما قالا؟ قال: لا حال بيني وبينهما الغضب، فدعاهما وقال شمعون: من أرسلكما؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال: صفاه وأوجزا، فقالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال: وما آيتكما؟ قالا: ما تمنى الملك، فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا الله حتى انشق له بصر وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فكانتا مقلتين يُبصِر بهما، فقال له شمعون: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف؟ فقال: ليس لي عنك سرٌّ ان آلهتنا لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع، وكان شمعون يدخل معهم إلى الصنم فيصلي ويتضرع ويحسبونه منهم، ثم قال: ان قدر إلهكما على إحياء ميّتاً آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال: إني دخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا، وقال: فتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك: فعرفتهم قال شمعون: وهذان، فتعجب الملك، فلما رأى شمعون أن كلامه قد أثر فيه نصحه وآمن وآمن قوم بإيمانه، ومن لم يؤمن صاح بهم جبريل فهلكوا، وقوله تعالى: {فعززنا} قوّينا {بثالث} وهو شمعون {فقالوا إنا إليكم مرسلون} يعني الرسل.