قوله تعالى: { وهو القاهر فوق عباده } بالقدرة { ويرسل عليكم حفظة } يعني الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا } يعني هم أعوان ملك الموت يقبضونه ثم يدفعونه إلى ملك الموت رواه في الثعلبي { وهم لا يفرطون } لا يقصرون ولا يضيعون وقرئ: لا يفرطون بالتخفيف يعني لا يجاوزن الحدّ { ثم ردوا إلى الله } يعني الملائكة وقيل: العباد { ألا له الحكم } يومئذ لا حكم فيه لغيره { وهو أسرع الحاسبين } لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، روي أنه يحاسب جميع خلقه يوم القيامة بمقدار حلب شاة { قل } يا محمد { من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما، وقيل: أراد بالظلمات الشدائد والأهوال { تدعونه تضرعاً وخفية } قرئ برفع الخاء وكسره وهما لغتان (تقولون لئن أنجيتنا من هذه الظلمات لنكونن من الشاكرين)، قوله تعالى: { قل الله ينجيكم منها } أي ينعم عليكم بالنجاة والفرح ويخلصكم من تلك الظلمات { ومن كل كرب } ومن كل غم { ثم أنتم تشركون } { قل } يا محمد { هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم }، قيل: الذي من فوقكم هو الرجم كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة، وأرسل على قوم نوح الطوفان والرياح، كما أرسل على قوم عاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط { أو من تحت أرجلكم } كما أغرق فرعون وخسف بقارون، وقيل: من فوقكم من قبل أكابركم وسلاطينكم، أو من تحت أرجلكم من قبل سفلتكم وعبيدكم { أو يلبسكم شيعاً } يعني أو يخلطكم فرقاً مختلفين على أهواء شتّى، واللبس اختلاط الأمر، يقال: لبست عليه الأمر خالطته والشيع: الفرق { ويذيق بعضكم بأس بعض } بأن يقتل بعضكم بعضاً يعني بالسيوف المختلفة، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "سألت الله أن لا يبعث على أمتي عذاباً من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطاني ذلك وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني وأخبرني جبريل أن فناء أمتي بالسيف" { أنظر } يا محمد أو أيها السامع { كيف نصرف الآيات } نردد ونظهر مرة بعد أخرى { لعلهم يفقهون وكذب به قومك وهو الحق }، قيل: القرآن، وقيل: العذاب { قل } يا محمد { لست عليكم بوكيل } أي بحافظ لأعمالكم لأجازيكم عليها إنما أنا منذر والله المجازي { لكل نبأ مستقر } أي لكل خبرٍ وقتٌ وحينٌ، وقيل: وقت استقرار وحصول لا بد منه { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } في الاستهزاء بها والطعن فيها، وكانت قريش يفعلون ذلك والآية نزلت فيهم وكانوا يستهزئون بالقرآن { فأعرض عنهم } أي اتركهم ولا تجالسهم على سبيل الإنكار { حتى يخوضوا في حديث غيره }، قيل: يدخلون في حديث غير القرآن والاستهزاء به { واما ينسينَّكَ الشيطان } يعني يشغلك بوسوسته حتى تنسى النهي عن مجالستهم { فلا تقعد بعد الذكرى } يعني بعد أن تذكر النهي عنه { مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } أي ليس على المؤمنين الذين اتقوا معاصي الله تعالى شيء من حساب الكفرة { ولكن ذكرى }، قيل: لكن ليلزمهم القيام عنهم ليصير ذلك معوضة، وقيل: لكن عليهم أن يذكروهم وعد الله ووعيده ويأمرونهم بذلك وينهوهم عن المنكر والآية تدل على النهي عن مجالسة الظلمة والفسقة إذا أظهروا المنكر.