{ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً} وهم أهل مكة حين نفروا لحماية العير، وأتاهم رسول أبو سفيان بالجحفة أن ارجعوا فقد سلمت عيركم، فأتى أبو جهل وقال: حتى نقدم بدر ونشرب فيها الخمور، وننحر الجزور، ونطعم الطعام من حضرنا من العرب، وتعزف علينا القينات، فذلك بطرهم {ورئاء الناس} وكان بدر موسماً من مواسم العرب يجتمع اليه لهم به سوق كل عام، فيقيموا ثلاثة أيام فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمور، وناحت عليهم النوائح مكان القينات {ويصدون عن سبيل الله} عطف على قوله: بطراً {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} التي فعلوها في معاداة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) {وقال لا غالب لكم اليوم من الناس}، قيل: زين لهم بذلك بوسوسته، وقيل: ظهر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني وكان من أشراف كنانة وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني مجيركم من بني كنانة، قال في الثعلبي: وذلك أن قريشاً لما اجتمعت للمسير ذكرت الذي بينها وبين كنانة فجاء ابليس في جند من الشياطين معه راية في صورة سراقة {فلما تراءت الفئتان} التقى الجمعان ورأى إبليس الملائكة ينزلون من السماء وعلم أنه لا طاقة لهم به {نكص على عقبيه} يعني ولى مدبراً، وقيل: كانت يده في يد الحرث بن هشام، فلما نكص قال له الحرث: إلى أين أتخذلنا في هذه الحال؟ فقال: {اني أرى ما لا ترون} ودفع في صدر الحرث وانطلق وانهزموا، فلما بلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فقالوا: هو الشيطان، فقال الشيطان: {إني أخاف الله} فقال له الحرث: هلا كان هذا أمس {والله شديد العقاب}، قال بعضهم: هذه حكاية عن ابليس، وقال آخرون: انقضى الكلام عند قوله إني أخاف الله، ثم قال الله: {والله شديد العقاب} {والذين في قلوبهم} مرض يعني شك ونفاق غرّ هؤلاء دينهم الآية، نزلت في الذين نافقوا في المدينة، وقيل: في قوم من قريش، وقيل: هم قوم كانوا بمكة مستضعفين فلما خرجت قريش إلى بدر أخرجوهم كرهاً، فلما نظروا إلى قلَّة المسلمين ارتدوا وقالوا: {غرّ هؤلاء دينهم} ثم قال جواباً لهم: {ومن يتوكل على الله} أي يفوض أمره إلى الله تعالى {فإن الله عزيز حكيم ولو ترى} تعاين يا محمد {إذ يتوفى} الملائكة يعني يقبضون أرواحهم عند الموت، قيل: بيوم بدر، وقيل: هم هؤلاء المنافقون الذين قالوا {غر هؤلاء دينهم}، وقيل: جميع الكفار {يضربون وجوههم} ما أقبل منهم {وأدبارهم} ما أدبر وتقديره ويضربون وجوههم بالسيوف، وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة فيضربون أدبارهم {وذوقوا} فيه إضمار ومعناه وتقول الملائكة ذوقوا {عذاب الحريق} {ذلك بما قدمت أيديكم} كسبت وعملت {وأنَّ الله ليس بظلاَّم للعبيد} لا يأخذهم من غير جرم {كدأب آل فرعون} الآية نزلت في أهل مكة لما أخرجوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قتلوا يوم بدر، كدأب آل فرعون أي كعادة آل فرعون أي قومه وأتباعه، وقيل: كعادة الله تعالى في آل فرعون وسائر الكفار أن يهلكهم الله تعالى إذ كذبوا، قوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} أي فعاقبهم {ذلك} يعني ما فعلناه بالمشركين من العقوبة إنما فعلناه لكفرهم ولاء غيروا ما أنعم الله عليهم {بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}، وقيل: أراد به هل مكة بعث الله إليهم محمداً فغيروا نعمة الله وتغييرها كفرها وترك شكرها.