خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٠
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١١١
-النحل

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا } أي: من بعد ما عذِّبوا { ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال الحسن: إنهم قوم كانوا بمكة، فعرضت لهم فتنة، فارتدّوا عن الإِسلام، وشكوا في نبي الله، ثم إنهم أسلموا وهاجروا إلى رسول الله بالمدينة، ثم جاهدوا معه وصبروا، فنزلت فيهم هذه الآية.
وقال بعضهم: ذكر لنا أنه لما أنزل الله إن أهل مكة لا يقبل منهم إِسلام حتى يهاجروا، كتب بذلك المؤمنون إلى أصحاب لهم بمكة، وخرجوا فأدركهم المشركون فردوهم. فأنزل الله:
{ الۤـمۤ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُّتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت:2]، والآية الأخرى التي بعدها. فكتب بها أهل المدينة إلى أهل مكة. فلما جاءهم ذلك تبايعوا أن يخرجوا، فإن لحق بهم المشركون أن يقاتلوهم، حتى يلحقوا بالله أن ينجوا، فأنزل الله: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ للَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا... } إلى آخر الآية.
قوله: { يَوْمَ تَأتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } قال الحسن: إن كل نفس توقف بين يدي الله للحساب، ليس يسألها عن عملها إلا الله.
قال: { وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } من خير أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أما الكافر فليس له من حسناته في الآخرة شيء، قد استوفاها في الدنيا. وأما سيئاته، فيُوفّاها في الآخرة، يجازى بها النار. وأما المؤمن فهو الذي يوفّى الحسنات في الآخرة، وأما سيئاته فإنّ منهم من لم يخرج من الدنيا حتى ذهبت سيئاته بالبلايا والعقوبة؛ كقوله:
{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى:30]. ومنهم من تبقى عليه من سيئاته فيفعل الله فيه ما يشاء. وقد بلغنا أن منهم من تبقى عليه عند الموت فيشدّد عليه في خروج نفسه. ومنهم من تبقى عليه فيشدد عليه في القبر، ومنهم من تبقى عليه فيشدد عليه في الموقف. ومنهم من تبقى عليه منها فيشدد عليه عند الصراط حتى يلقى الله وقد غفر له ذنوبه كلها.