خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٣
وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٩٤
وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٩٥
مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٦
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٧
-النحل

تفسير كتاب الله العزيز

{ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي: على الإيمان. وهو كقوله: { وَلَوْ شِئْنَا لأَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاها } [السجدة:13]. وكقوله: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } [يونس:99]. { وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ } أي: بفعله { وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
قوله: { وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } أي: فتخونوا الله ولا تكملوا فرائضه. { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } أي: تزل إلى الكفر والنفاق بعد ما كانت على الإِيمان. فتزل إلى النار { وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وإذ عظّم الله شيئاً فهو عظيم. والسوء عذاب الدنيا، وهو القتل بالسيف. يقول: إن أنتم نافقتم فباينتم بنفاقكم قتلتم في الدنيا ولكم في الآخرة عذاب عظيم.
قوله: { وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أي: من الدنيا.
ذكروا أنه قدم وفد من كندة وحضرموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإِسلام ولم يهاجروا، وأقروا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. ثم إن رجلاً من حضرموت قام فتعلق برجل من كندة يقال له امرأ القيس، فقال يا رسول الله، إن هذا جاورني في أرض لي فقطع طائفة منها فأدخلها في أرضه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
"هل لك بينة على ما تزعم؟ فقال: القوم كلهم يعلمون أني صادق وأنه كاذب، ولكنه أكرم عندهم مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا امرأ القيس، ما يقول هذا؟ قال: ما يقول إلا الباطل. قال: فقم فاحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له قِبَلك من شيء مما يقول، وإنه لكاذب فيما يقول. قال: نعم. قال الحضرمي، إنا لله، أتجعلها يا رسول الله إليه، إنه رجل فاجر لا يبالي بما حلف عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من اقتطع مال رجل مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه ساخط. فقام امرؤ القيس ليحلف، فنزلت هاتان الآيتان: { وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أي:عرضاً من الدنيا يسيراً { إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }. قال: { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
فقام الأشعث بن قيس فأخذ بمنكبي امرىء القيس فقال: ويلك يا امرأ القيس إنه قد نزلت آيتان فيك وفي صاحبك، خيرتهما له، والأخرى لك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتطع مال رجل مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه ساخط . فأقبل امرؤ القيس فقال: يا رسول الله، ما أنزل في؟ فتلا عليه الآيتين. فقال امرؤ القيس: أما ما عندي فينفد، وأما صاحبي فيجازى بأحسن ما كان يعمل؛ اللهم إنه صادق، وإني أشهد الله إنه صادق، ولكن والله ما أدري ما بلغ ما يدّعي من أرضه في أرضي، فقد أصبتها منذ زمان، فله ما ادّعى في أرضي ومثلها معها. فنزلت هذه الآية.
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فقال امرؤ القيس: إليَّ هذه الآية يا رسول الله؟ قال: نعم، فكبّر امرؤ القيس. وحمد الله وشكره"
.
ذكر بعضهم في قوله: { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } قال: هي القناعة، وقال بعضهم: هي الجنة.