خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٨
ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢٢٩
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ }. والقرء: الحيض في قول أهل العراق. وفي قول أهل المدينة القرء: هو الطهر.
ذكروا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما قالا: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. ذكروا عن الحسن عن أبي موسى الأشعري مثل ذلك. وذكروا عن علي وابن عباس مثل ذلك. وذكروا عن عمران بن حصين مثل ذلك، وهو قول الحسن وإبراهيم والعامة عندنا.
ذكروا عن زيد بن ثابت وعائشة أنهما قالا: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت منه. وذكروا عن ابن عمر ذلك، وهو قول أهل المدينة.
وتفسير قول أهل المدينة: إن القرء هو الطهر، أَن الرجل إذا طلق امرأته، ثم حاضت، فإن ما بين طلاقه إلى حيضتها قرء. فإذا طهرت من حيضتها كان ما بين الحيضة الأولى إلى الحيضة الثانية قرءاً. فإذا طهرت من الثانية صار ما بين الثانية والثالثة قرءاً. فبانت حين رأت الدم. فالقرء الأول، على قولهم إنه طهر، ربما كان يوماً واحداً أو أكثر من ذلك، فيما بينها وبين الحيضة، وليس بس.
وقول أهل العراق إنه إذا طلقها ثم حاضت كان الحيض هو القرءَ. فإذا طهرت لم تعد الطهر فيما بين الحيضتين قرءاً. فإذا دخلت في الحيضة الثانية فقد دخلت في القرء. فإذا طهرت منها لم تعد الطهر فيما بين الحيضة الثانية والثالثة قرءاً. فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد دخلت في القرء الثالث. فإذا اغتسلت منه فقد مضت الأقراء الثلاثة وبانت منه. فالحِيَض ثلاث والقروء صحيحة. والطهران [الأخيران] من قول أهل المدينة صحيحان، والقرء الأول ينكسر. ويختلف القرء لأنه ربما طلقها قبل أن تحيض بيوم، ثم تحيض من الغد، فيكون ذلك اليوم في قولهم قرءاً، وربما كان يومين أو أكثر من ذلك إلى الحيضة الثانية. فالقرء الأول مختلف.
قال بعض المفسّرين: [جعل عدة المطلقة في هذه الآية ثلاث حيض ثم] نسخ منها ومن الثلاثة قروء أربع نسوة: التي طلقت قبل أن يدخل بها زوجها؛ قال الله تعالى في سورة الأحزاب:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } [الأحزاب:49]؛ فهذه ليست لها عدة، تتزوج من يومها إن شاءت. ونسخ منها العجوز التي قعدت من الحيض. والبكر التي لم تحض. قال في سورة النساء القصرى { وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ } [الطلاق:4] أيضاً ثلاثة أشهر. ونسخ منها المطلقة الحامل فقال: { وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق:4].
قوله: { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ }. قال مجاهد: لا تقول: إني حائض وليست بحائض، ولا تقول: إني لست بحائض وهي حائض. ولا تقول إني حامل وليست بحامل، ولا تقول: لست بحامل وهي حامل. قال: لتَبِينَ من زوجها قبل انقضاء العدة ويضاف الولد إلى الزوج الثاني، أو تستوجب الميراث إذا مات الرجل فتقول: لم تنقض عدتي وقد انقضت عدّتها.
قوله: { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أي: في العدة، وفي التطليقة والتطليقتين ما لم يطلق ثلاثاً. { إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحاً } أي: حسن صحبة.
قال: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [يعني فضيلةً في الحق]. { وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. وقال في آية أخرى:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [النساء:34].
قوله: { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } يقول: هو أحق بها في التطليقتين. ولا يجمع بين التطليقتين ولا ثلاثاً جميعاً.
قال بعض المفسّرين: { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ }: مرة بعد مرة، فجعل حد الطلاق ثلاثاً. فإذا طلقها الثالثة حرمت عليه. قال: وذلك أنه بلغنا أن أهل الجاهلية كانوا ليس لهم حد في الطلاق؛ كان يطلق أحدهم عشراً أو أقل من ذلك أو أكثر.
ذكر الحسن أن علياً كان يكره أن يطلق الرجل امرأته ثلاثاً جميعاً، ويلزمه ذلك، ويقول: إنه عصى ربه. ذكروا عن ابن عمر مثل ذلك، وليس فيه اختلاف.
قوله: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }. قال مجاهد: هذا حين ملكها وجب ذلك لها. قال: وإن طلقها تطليقتين فهو أيضاً إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ما لم تنقض العدة. وبلغنا أن رجلاً قال: يا رسول الله. قول الله الطلاق مرتان فأين الثالثة قال هو قوله: { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }.
قوله: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ } أي: أمر الله في أنفسهما. وذلك أنه يخاف من المرأة في نفسها إذا كانت مبغضة لزوجها فتعصى الله فيه؛ ويخاف من الزوج إن لم يطلقها أن يتعدّى عليها.
قال مجاهد: تقول المرأة: لا أبر قسمه، ولا أطيع أمره، فيقبله الرجل خشية أن يسيء إليها وتفتدى.
قال: { فَإِنْ خِفْتُمْ } أي: فإن علمتم، يعني الولاة { أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ } أي سنته وأمره في الطلاق. { فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } أي لأنفسهم.
ذكروا عن الحسن قال: يعني الخلع؛ إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة.
قال بعضهم: إذا قالت لا أطيع لك أمراً، ولا أبرّ لك قسماً، ولا أغتسل لك من جنابة، فقد حلّ له أن يقبل منها.
ذكر عكرمة
"أن جميلة بنت [أبي بن] سلول أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا قيس ـ تعني زوجها ثابت بن قيس ـ والله ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإِسلام. فقال:أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. قال: خذ منها ما أعطيتها، ولا تزيديه" .
ذكروا عن عمر بن الخطاب أنه قال: إذا سألكم النساء الخلع فلا تكفروهن. تأويل ذلك أنه ليس يعني أن ذلك واجب عليه، إلا أن يشاء. ومعنى قوله: لا تكفروهن يعني أن تكفر زوجها كقول النبي عليه السلام: " لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير" يعني الصاحب، وهو زوجها.
ذكر ابن عباس أنه قال: إن الخلع جائز عند السلطان وغيره.
ذكروا عن شريح أن امرأة رفعت إليه، وكانت اختلعت من زوجها، فأجازه؛ فقال رجل عنده،: لا يجوز الخلع إلا عند السلطان. فقال شريح: الإِسلام إذاً أضيق من حدّ السيف. وكان الحسن لا يجيز الخلع إلا عند السلطان. والعامة على غير قول الحسن.