خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ
٨٧
وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ
٨٨
-البقرة

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } أي التوراة { وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } أي اتبعناه بهم { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ }. قال الكلبي: يعني الآيات التي كان يريهم عيسى من إحياء الموتى، وما سوى ذلك مما سمّاه الله: { وَأَيَّدْنَاهُ } أعنَّاهُ { بِرُوحِ الْقُدُسِ } يعني جبريل عليه السلام. الروح جبريل والقدس هو الله. وهو اسم به كان عيسى يحيي الموتى، وأيّده على عدوهم فأصبحوا ظاهرين على الكفار، وأيّده بما أتاه من العجائب والآيات.
قوله: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }.
قال الكلبي: لما أنزل الله { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ } قالت اليهود عند ذلك للنبي عليه السلام: فلا مثل ما جاء به موسى جئتنا به، ولا مثل ما عمل موسى. كما زعمت عملت، ولا كما يقص علينا أنبياؤنا فعلت، قال الله: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }، أي: قتلتم، فلما قال لهم النبي عليه السلام ذلك سكتوا وعرفوا أنه الوحي من الله عيّرهم بما صنعوا.
{ وَقَالُوا } يا محمد { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } في أكنة لا تعقل ولا تفقه ما تقول، وكانت قلوبنا أوعية للعلم، فلو كنت صادقاً سمعنا ما تقول. ذكروا عن الحسن أنه قال: غُلْفٌ قلف لم تختن لقولك يا محمد. وقال ابن مجاهد عن أبيه: غلف أي: في أكنة.
قال الله: { بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }. قال بعضهم: قلَّ من آمن من اليهود.
وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لو آمن بي وصدّقني واتَّبعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلاَّ اتَّبعني" . قال كعب: اثنا عشر من اليهود، ومصداق ذلك في كتاب الله: { وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } [المائدة:12].
وقال بعض المفسِّرين: لا نعلم أحداً من اليهود أسلم على عهد النبي إلا رجل واحد. والحسن يذكر آخر، ولا ندري من هو.
وقال بعض المفسّرين: في قوله تعالى:
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [القصص:52] ذكروا عن رِفاعة القُرَظي في قوله: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } قال نزلت في عشرة من اليهود أنا أحدهم. وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو آمن بي واتبعني وصدَّقني عشرة من اليهود..." بعد ما أسلم الرجلان اللذان ذكر بعض أهل التفسير، فيكونون تمام اثني عشر كما قال كعب، والله أعلم.