خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
٨٦
وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٨٧
-الأنبياء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله عز وجل: { وَأَدْخَلْنَاهُم فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ } والصالحون هم أهل الجنة.
قوله عز وجل: { وَذَا النُّونِ } يعني يونس. وقال عزّ وجل في آية أخرى:
{ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ } [سورة ن: 48]. والحوت هو النون. { إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } أي: لقومه { فَظَنَّ أن لَّنْ نَّقْدِر عَلَيْهِ } أي: أن لن نعاقبه.
وبلغنا والله أعلم أن يونس دعا قومه زماناً إلى الله عز وجل. فلما طال ذلك وأبوا أوحى الله إليه أن العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا. فلما دنا الوقت تنحّى عنهم. فلما كان قبل الوقت بيوم جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول: يأتيكم العذاب غداً. فسمعه رجل منهم فانطلق إلى الملك، فأخبره أنه سمع يونس يبكي ويقول: يأتيكم العذاب غداً.
فلما سمع الملك ذلك دعا قومه فأخبرهم بذلك وقال: إن كان هذا حقاً فسيأتيكم العذاب غداً، فاجتمِعوا حتى ننظر في أمرنا، فاجتمعوا، فخرجوا من المدينة من الغد، فنظروا فإذا بظلمة سوداء وريح شديدة قد أقبلت نحوهم، فعلموا أنه الحق. ففرّقوا بين الصبيان وبين أمهاتهم، وبين البهائم وبين أمّهاتها، ولبسوا الشعر، وجعلوا التراب والرماد على رؤوسهم تواضعاً لله، وتضرّعوا إليه وبكوا وآمنوا. فصرف الله عنهم العذاب. فاشترط بعضهم على بعض ألا يكذب أحد كذبة إلا قطعوا لسانه.
فجاء يونس من الغد، فنظر فإذا المدينة على حالها، وإذا الناس داخلون وخارجون، فقال: سبحان الله، أمرني ربي أن أخبر قومي أن العذاب يأتيهم فلم يأتهم، فكيف ألقاهم. فانطلق حتى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا سفينة في البحر، فأشار إليها، فأتوه فحملوه، وهم لا يَعْرِفونه. فانطلق إلى ناحية من السفينة فتقنّع فرقد. فما مضوا إلا قليلاً حتى جاءتهم ريح فكادت السفينة أن تغرق. فاجتمع أهل السفينة فدعوا الله، ثم قالوا: أيقظوا الرجل يدعو الله معنا، ففعلوا. فدعا الله معهم، فرفع الله عنهم تلك الريح. ثم انطلق إلى مكانه فرقد. فجاءت ريح، فكادت السفينة أن تغرق، فأيقظوه، فدعوا الله ودعا معهم، فرفع الله تبارك وتعالى عنهم الريح.
فتفكر العبد الصالح يونس فقال: هذا من أجل خطيئتي، أو قال: من ذنبي، أو كما قال. فقال لأهل السفينة: شدّوني وثاقاً وألقوني في البحر، فقالوا: ما كنا لنفعل هذا بك وحالك حالك. ولكنا نقترع، فمن أصابته القرعة ألقيناه في البحر. فاقترعوا فأصابته القرعة. فقال: قد أخبرتكم، فقالوا: ما كنا لنفعل. ولكن اقترعوا الثانية، فاقترعوا فأصابته القرعة؛ وهو قول الله عز وجل:
{ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ } [الصافات: 141] أي: من المقروعين، ويقال: من المسهومين. فانطلق إلى صدر السفينة ليلقي نفسه في البحر، فإذا هو بحوت فاتح فاه. ثم انطلق إلى ذنب السفينة، فإذا هو بحوت فاتح فاه، ثم جاء إلى جانب السفينة فإذا هو بحوت فاتح فاه. فلما رأى ذلك صلى الله عليه وسلم ألقى نفسه في البحر، فالتقمه الحوت. فأوحى الله تبارك وتعالى إلى الحوت إني لم أجعله لك رزقاً، ولكن جعلت بطنك له سجناً؛ فلا تكسِرَنّ له عظماً، ولا تقطعَنَّ له شعراً. فمكث في بطن الحوت أربعين ليلة { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ } كما قال الله: { أَن لاَّ إلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين }. قال الله: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤْمِنِينَ } فأوحى الله إلى الحوت أن يلقيه إلى البرّ. قال الله: { فَنَبَذْنَاهُ بِالعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } [الصافات: 145] أي: وهو ضعيف مثل الصبي الرضيع. فأصابته حرارة الشمس، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، وهي القرعة، فأظلته فنام، فاستيقظ وقد يبست. فحزن عليها، فأوحى الله إليه: أحزنت على هذه الشجرة وأردت أن تهلك مائة ألف أو يزيدون من خلقي؟ فعلم عند ذلك أنه ابتُلِيَ. فانطلق فإذا هو بذود من غنم، فقال للراعي: اسقني لبناً. فقال: ما ها هنا شاة لها لبن. فأخذ شاة منها فمسح بيده على ظهرها، فدرّت، فشرب من لبنها. فقال له الراعي: من أنت يا عبد الله، لَتُخْبِرَنِّي. فقال: أنا يونس، فانطلق الراعي إلى قومه، فبَشّرهم به، فأخذوه وجاءوا معه إلى موضع الغنم، فلم يجدوا يونس. فقالوا: إنا شرطنا لربّنا ألا يكذب منا أحد إلا قطعنا لسانه. فتكلمت الشاة بإذن الله فقالت: قد شرب من لبني، فقالت الشجرة التي استظل بها: قد استظل بي. فطلبوه فأصابوه، فرجع إليهم، فكان فيهم حتى قبضه الله، وهي مدينة يقال لها نينوى من أرض الموصل، وهي على دجلة.
وبلغنا أنه إنما عوقب لأنه إنما خرج من قومه من غير أن يؤذن له بالخروج منهم. وإنما خرج رجاء أن يخافوا فيؤمنوا.
ذكروا عن ابن عباس أنه قال: في دجلة ركب السفينة، وفيها التقمه الحوت، ثم أفضى به إلى البحر، ودار في البحر، ثم رجع في دجلة، فثمَّ نبذه الله بالعراء، وهو البر.
قوله عز وجل: { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ } أي: ظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة بطن الحوت. { أَن لآ إِلَهَ إِلآ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }.