قوله: { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ
لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ } يعني الذين بعث الله إليهم شعيباً. قال: { وَكُذِّبَ مُوسَى }
أي: كذّبه فرعون وقومه { فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ } والذين كفروا، يعني جميع هؤلاء لم
أهلكهم عند تكذيبهم رُسُلهم، حتى جاء الوقت الذي اردت أن أهلكهم فيه. { ثُمَّ
أَخَذتُهُمْ } أي: بالعذاب حين جاء الوقت { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي: عقابي، أي:
كان شديداً. يحذّر بذلك المشركين.
قوله: { فَكَأَيِّن مِّنْ قَرْيَةٍ } أي: فكم من قرية { أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } يعني
أهلكنا أهلها. { فَهِيَ خَاوِيَةٌ } أي: فالقرية خاوية ليس فيها أحد. قد هلك أهلها.
فهي خاوية { عَلَى عُرُوشِهَا } أي: على بنيانها. وبعضهم يقول: العروش السقوف،
صار أعلاها أسفلها { وَبِئرٍ مُّعَطَّلَةٍ } أي: باد أهلها فعطِّلت { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } أي:
مبني معطّل. [معطوف] على قوله معطّلة. وقال الكلبي: المشيد الحصين.
قوله: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ } يعني المشركين { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ
يَعْقِلُونَ بِهَآ أَو ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } أي: لو ساروا وتفكروا لعاينوا ما نزل بإخوانهم من
الكفار فيتوبون لو كانت لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها. { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى
الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ } أي: إنما أوتوا من قِبَل قلوبهم. ولو
أن رجلاً كان أعمى بعد أن يكون مؤمناً لم يضرّه شيء وكان قلبه بصيراً.
وقال بعضهم: إنما هذه الأبصار التي في الرؤوس جعلها الله منفعة وبلغة، وأما
البصر النافع فهو في القلب. وذكر لنا أنها نزلت في عبد الله بن زائدة.
ذكروا عن مجاهد قال: لكل عين، يعني نفساً، أربعة عيون: عينان في رأسه
لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته. فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضره عماه
شيئاً. وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه [بصره] شيئاً إذا عميت عينا
قلبه. قال الله: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ }.