خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ
١٠٨
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ
١٠٩
فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ
١١٠
-المؤمنون

تفسير كتاب الله العزيز

ثم يرد عليهم: { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ }. قال: فوالله ما ينبس القوم بعدها بكلمة، وما هو إلا الزفير والشهيق، فشبه أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق.
ذكر بعضهم أنهم يدعون - قبل أن يدعوا مالكاً - خزنة جهنم عشرين عاماً فلا تجيبهم. ثم تجيبهم:
{ أَوَلَمْ تَكُ تَأتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَآءُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [غافر: 50]، ثم يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً، ثم يجيبهم: { { إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } . ثم يدعون ربهم فيذرهم قدر عمر الدنيا مرّتين ثم يجيبهم: { اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } أي: اصغروا فيها. والخاسئ الصاغر. وقال بعضهم: الخاسئ الذي لا يتكلم بشيء، ليس إلا الزفير والشهيق.
قوله: { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي } يعني المؤمنين { يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ } أي: أفضل من رحم. وقد يجعل الله الرحمة في قلوب من يشاء، وذلك من رحمة الله، وهو أرحم الراحمين.
ذكروا عن سلمان الفارسي قال: خلق الله مائة رحمة، كل رحمة منها طباقها السماوات والأرض. فأنزل الله منها رحمة واحدة؛ فبها يتراحم الخلائق حتى ترحم الوالدة ولدها والبهيمة بهيمتها. فإذا كان يوم القيامة جاء بتلك التسع والتسعين رحمة فكملها مائة رحمة، ثم نصبها بينه وبين خلقه. فالمحروم من حرم تلك الرحمة.
قوله: { فَاتَّخَذتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } يقوله لأهل النار { حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } أي: كانوا يسخرون بأصحاب الأنبياء ويضحكون منهم. { حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } ليس يعني أن أصحاب الأنبياء أنسوهم ذكر الله فأمروهم ألا يذكروه، ولكن جحودهم واستهزاؤهم وضحكهم هو الذي أنساهم ذكر الله، فأضاف ذلك إلى أصحاب النبي فقال: { حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } أي: هم كانوا أسباب نسيانكم لذكري. كقوله:
{ فَأَمَّا الذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيْمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ } [التوبة: 124-125] فأضاف رجسهم إلى السورة لأنها كانت سبب كفرهم. وهذا من المضاف، كقول القائل: أنساني فلان كل شيء، وفلان غائب عنه، بلغه عنه أمر، فشغل ذلك قلبه. وهي كلمة عربية معروفة في اللغة.