خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٥٩
وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ
٦٠
لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٦١
-النور

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأذَنَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } يعني من احتلم. { كَذَلِكَ } أي: هكذا { يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ } بخلقه { حَكِيمٌ } في أمره.
قوله: { وَالقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ } أي: التي قعدت عن المحيض والولد { اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } أي: اللاتي لا يردن نكاحاً، قد كبُرن عن ذلك { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } أي: غير متزيّنة ولا متشوِّفة. [قال قتادة: رخص للتي لا تحيض ولا تحدث نفسها بالأزواج أن تضع جلبابها] وأما التي قعدت عن المحيض ولم تبلغ هذا الحدّ فلا. والجلباب الرداء الذي يكون فوق الثياب، وإن كان كساء أو ساجاً أو ما كان من ثوب.
قال: { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ } يعني اللاتي لا يرجون نكاحاً عن ترك الجلباب { خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.
قوله: { لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ } قال الكلبي: إن أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعتزلون الأعمى والأعرج والمريض ولا يواكلونهم. وكانت الأنصار فيهم تنزّه وتكرّم، فقالوا: إن الأعمى لا يبصر طيّب الطعام، والأعرج لا يستطيع الزحام عند الطعام، والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح، فاعزلوا لهم طعامهم على ناحية، وكانوا يرون أن عليهم في مواكلتهم جناحاً. وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون: لعلّنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم، فاعتزلوا مواكلتهم، فأنزل الله: { لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } أي: ليس عليكم حرج في ذلك ولا على الذين تأثموا من أمرهم، ليس عليهم في ذلك حرج.
وبعضهم يقول: كان قوم من أصحاب النبي عليه السلام يغزون ويخلفون على منازلهم من يحفظها، فكانوا يتأثَّمون أن يأكلوا منها شيئاً. فرخّص لهم أن يأكلوا منها.
وقال بعضهم: كانوا يخلفون عليها الأعمى والأعرج والمريض والزمني الذين لا يخرجون في الغزو فرخّص لهم أن يأكلوا منها.
وقال بعضهم: مُنِعت البيوت زماناً؛ كان الرجل لا يتضيّف أحداً ولا يأكل في بيت أحد تأثماً من ذلك.
[قال يحيى بلغني أن] ذلك كان حين نزلت هذه الآية:
{ يَآأيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ } [النساء: 29] فكان أول من رخَّص الله له الأعمى والأعرج والمريض، ثم رخص الله لعامّة المؤمنين؛ فقال:
{ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقكُمْ } فلا بأس أن يأكلوا من بيوت هؤلاء بغير إذن.
قوله: { أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ } قال بعضهم: هم الذين خُلِّفوا على تلك المنازل وجعلت مفاتحها بأيديهم. وقال بعضهم: هم المملوكون الذين هم خزنة على بيوت مواليهم. قال الحسن: { أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ } أي: خزائنه، أي: مما كنتم عليه أمناء.
قوله: { أَوْ صَدِيقِكُمْ } [قال قتادة: فلو أكلت من بيت صديقك عن غير مؤامرته لكان الله قد أحل لك ذلك].
ذكروا عن الحسن أنه سئل عن الرجل يدخل بيت أخيه، يعني صديقه، فيخرج صاحب البيت، فيرى صديقه الشيء من الطعام في البيت، أيأكله بغير إذنه؟ فقال: كُلْ من طعام أخيك.
قال الحسن [بن دينار]: كنا في بيت قتادة ونحن جماعة فأُتينَا ببُسر، فتناول رجل من القوم بسرات فأمسكهن، ثم قال: يا أبا الخطاب، إني قد أخذت من هذا البسر. فقال: هو لك حلال وإن لم تذكره لي، لأنك مؤاخيّ.
قال بعضهم: لم يذكر الله في هذه الآية بيوت الابن، فرأيت أن النبي عليه السلام إنما قال للابن:
" أنت ومالك لأبيك" من هذه الآية؛ لأنه قال: { وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ } ولم يقل: أو بيوت أبنائكم. ثم ذكر ما بعد ذلك من القرابة حتى ذكر الصديق ولم يذكر الابن.
قوله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } قال بعضهم: كان بنو كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أنّ محرّماً عليه أن يأكل وحده في الجاهلية، حتى أن الرجل لَيَسوق الذَّوْدَ الحُفَّل وهو جائع فلا يأكل أو يشرب حتى يجد من يؤاكله ويشاربه، فأنزل الله هذه الآية.
قوله: { فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الأَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي: لكي تعقلوا. أي: إن دخل على قوم سلّم عليهم، وإن كان رجل واحد سلّم عليه.
قوله: { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ } أي: على إخوانكم، أي: يسلّم بعضكم على بعض.
وإذا دخل الرجل بيته سلَّم عليهم. [وقال قتادة: إذا دخلت فسلّم على أهلك فهم أحق من سلّمت عليه، فإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل: سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه كان يؤمر بذلك، حدثنا أن الملائكة ترد عليه].
وإذا دخل الرجل المسجد قال: بسم الله، سلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب رحمتك. فإن كان مسجداً كثير الأهل سلَّم عليهم، يُسمع نفسَه، وإن كان قليل الأهل سلّم عليهم، يُسمعهم التسليمَ، وإن لم يكن فيه أحد قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام علينا من ربّنا.
وإذا دخل بيتاً غير مسكون مما قال الله: { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } وهي الفنادق ينزلها الرجل المسافر ويجعل فيها متاعه، فإذا دخل البيت قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام علينا من ربنا.
[خالد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير
"
. وقال أيضاً: "يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير" .
[قال يحيى: يعني] ويسلم راكب الدابة على راكب البعير، ويسلم الفارس على صاحب الحمار والبغل.
وقال بعضهم: إذا سلّم رجل على القوم فردّ رجل منهم أجزأ عنهم، وإذا كانوا ناساً فسلم رجل منهم على المجلس أجزأ عنهم.
وكان الحسن يقول: كان النساء يسلّمن على الرجال ولا يسلم الرجال على النساء. وكان ابن عمر يسلّم على النساء، وغير واحد من السلف أنهم كانوا يسلّمون على النساء.
قال بعضهم: إذا كان النساء على الطريق فلقيهن الرجل جلس النساء ويسلم الرجل، وإن كانت فيهم امرأة فدخلت ردّت السلام على الرجال من بينهن، وكان ردها السلام عمن بقي منهن.
ذكروا
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بغلمان فسلّم عليهم" .
ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السلام اسم من أسماء الله" .
ذكروا عن ابن مسعود قال: السلام اسم من أسماء الله، وضعه الله في الأرض، فأفشوه بينكم، فإن المرء إذا مر بالقوم، فسلم عليهم، فردوا عليه كانت له عليهم فضيلة ودرجة بأنه ذكرهم السلام، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منه وأطيب، وهم الملائكة عليهم السلام.
ذكروا أن رجلاً كان يمشي مع أبي هريرة قال: فمررنا بقوم فسلّمنا عليهم، قال: فلا أدري أشغلهم الحديث أو ما منعهم أن يردّوا السلام، فقال أبو هريرة: سلام ربي والملائكة أحبّ إليّ.
ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"للمسلم على المسلم من المعروف ست خصال: يسلم عليه إذا لقيه، ويشمّته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب أو شهد، ويشهد جنازته إذا مات" .