قوله: { وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ } قال بعضهم: أخذ الله ميثاق النبيين
على قومهم { لَمَا ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ }
يعني محمداً عليه السلام { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ }.
قال الحسن: هذا ميثاق أخذه الله على الأنبياء في محمد، ما خلا محمداً
فإنه لا نبي بعده، ولكنه قد أخذ عليه أن يصدّق بالأنبياء كلهم ففعل. فـ { قَالَ
ءَأقْرَرْتُمْ } فأقروا بذلك كلهم { وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي } أي ميثاقي. وقال
مجاهد وغيره: عهدي. { قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }
يقول الله: أنا شاهد معهم وعليم بما أعطوا من الميثاق والإِقرار. { فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ
ذَلِكَ } أي فمن كفر بعد ذلك { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ }.
قال بعضهم: هذا ميثاق أخذه الله على الأنبياء أن يصدّق بعضهم بعضاً، وأن
يبلّغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده، وأخذ ميثاق أهل الكتاب فيما بلّغتهم رسلهم
أن يؤمنوا بمحمد ويصدّقوا به. فقال: { فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ }، أي بعد الميثاق
والعهد { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ }.
قوله: { أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ } أي تطلبون. { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }. قال الحسن: { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ }.
ثم انقطع الكلام، فقال: { وَالأَرْضِ }، أي: ومن في الأرض طوعاً وكرهاً؛ يعني
طائعاً وكارهاً. [وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله] لا يجعل الله من دخل في
الإِسلام طوعاً كمن دخله كرهاً" . قال بعضهم: لا أدري أراد المنافق أو الذي قوتل
عليه. وفي تفسير عمرو عن الحسن أنه قال: الذي قوتل عليه. وقال بعض
المفسّرين: أما المؤمن فأسلم طائعاً فنفعه ذلك وقُبِل منه، وأما الكافر فأسلم كارهاً
فلم ينفعه ذلك ولم يُقبل منه.
قوله: { قُلْ ءَامَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ }، يعني يوسف وإخوته الاثني عشر { وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى
وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }. قال الحسن: هذا ما
أخذ الله على رسوله، وذلك ليعلم أنه لا نبيّ بعده، ولم يؤخذ عليه ما أخذ على
الأنبياء في قوله: { ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ }.