خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧٧
أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً
٧٨
مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً
٧٩
-النساء

تفسير كتاب الله العزيز

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أي: بل أشد خشية.
قال بعضهم: هؤلاء قوم من أصحاب النبي عليه السلام، وهو يومئذ بمكة قبل الهجرة، تنازعوا إلى القتال وسارعوا إليه حتى قالوا: يا نبي الله، ذرنا نتخذ معاول فنقاتل بها المشركين؛ فنهاهم النبي عن ذلك. فلما كانت الهجرة، وأمروا بالقتال كره القوم ذلك. { وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } فقال الله: { قُلْ } يا محمد { مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ } وكانوا أمروا بالقتال في سورة الحج في قوله:
{ أُذِنَ لِلذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } [الحج:39]، وفي سورة العنكبوت { الۤمۤ أَحَسِبَ النَّاسُ أن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } أي لا يقاتلون... إلى قوله: { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ } [العنكبوت:1-6].
وقال الكلبي:
"كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر رسول الله إلى المدينة. وكانوا يلقون من المشركين أذى كثيراً فقالوا: يا رسول الله، ألا تأذن لنا في قتال هؤلاء القوم؟ فقال لهم رسول الله: كفوا أيديكم عنهم، فإني لم أؤمر بقتالهم" ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار إلى بدر فعرفوا أنه القتال، كرهوا أو بعضُهم.
قال الله: { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي إلى الموت. قال الله لنبيه: { قُلْ } يَا محمد: { مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ }... إلى آخر الآية.
وقال الحسن: قالوا: يا رسول، ألا نأتي المشركين بمعاولنا فنقتلهم في رحالهم. قال ذلك عبد الرحمن بن عوف وأصحابه. { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }. وذلك لما في قلوبهم من الخشية، لما طبع عليه الآدميون وهم مؤمنون.
{ لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلاَ } أي: هلا { أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ }. قالوه في أنفسهم. والأجل القريب أجلهم. لولا أخرتنا إلى أجل، أي لولا أخرتنا حتى نموت على فُرُشنا بغير قتال؛ وذلك لكراهتهم لقتال آبائهم وأبنائهم وإخوانهم، وهو قوله تعالى:
{ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } [الأنفال: 5] وليس بكراهية يردون فيها أمر الله وأمر نبيه؛ فقال الله لمحمد: قُل لهم { مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ } أي: إنكم على كل حال ميّتون والقتل خير لكم.
قال الله: { والآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }. والفتيل هو الذي في بطن النواة.
ثم أخبرهم ليعزيهم ويصبّرهم فقال: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } قال بعضهم: في قصور محصّنة.
قال الحسن: ثم ذكر المنافقين خاصة فقال: { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } أي: النصر والغنيمة { يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } أي: نكبة من العدو { يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ } أي إنما أصابتنا هذه عقوبة مذ خرجتَ فينا، يتشاءمون به. { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللهِ } أي: النصر على الأعداء والنكبة؛ نكبوا يوم أحد عقوبة.
ثم قال: { فَمَالِ هَؤُلاَءِ القَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } فظفرت بها ونصرت على المشركين { فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ } أي: من نكبة { فَمِن نَّفْسِكَ } أي بذنوبهم، وكانت يوم أحد [عقوبة من الله بمعصيتهم رسول الله حيث اتبعوا المدبرين]، وبأخذهم الفدية من أسارى أهل بدر.
وفي تفسير الحسن: ليست هذه المعصية في المنافقين خاصة. وقال بعضهم: مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ، أي: عقوبة بذنبك.
قال: { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً } أي على عباده.