خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ
١
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
٢
ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
٣
فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
٤
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ
٥
وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ
٦
-محمد

تفسير كتاب الله العزيز

تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مدنية كلها.
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }. قوله عز وجل: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ } أي: سبيل الهدى، [يعني الإسلام] { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي: أحبط أعمالهم في الآخرة، أي: ما عملوا من حسن.
قال: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } أي: صدقوا بما نزّل على محمد، يعني القرآن { وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أي: غفرها لهم { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي: حالهم في الدنيا، جعلهم على الحق، يصلح به حالهم في الآخرة، أي: يدخلهم الجنة.
قال: { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ } أي: إبليس، اتبعو وساوسه بالذي دعاهم إليه من عبادة الأوثان. { وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } أي: القرآن الذي جاء به محمد عليه السلام { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ } أي يبيّن للناس { أَمْثَالَهُمْ } أي: صفات أعمالهم.
قوله: { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ }. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى حي فأصابوهم، فصعد رجل منهم شجرة ملتفّة أغصانها. قال الذي حضر: قطعناها فلا شيء، ورميناها فلا شيء. قال: فجاءوا بنار فأضرموا بها تلك الشجرة، فخر الرجل ميتاً. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم [فتغيّر وجهه تغيراً شديداً] ثم قال:
"إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله، ولكني بعثت بضرب الأعناق وشدّ الوثاق" .
ذكر الحسن عن معاذ بن جبل قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمكنك الله من فلان فأحرقه بالنار. قال: فلما وليت قال: ردوه علي. فرجعت، فقال: أمرتك أن أمكنك الله من فلان أن تحرقه بالنار؟ قلت: نعم. قال: إني قلته وأنا غضبان، إنه ليس لأحد أن يعذب بعذاب الله، فإن قدرت فاضرب عنقه" .
قوله: عز وجل: { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } فيها تقديم، يقول: فإذا لقيتم الذين كفَروا فضرب الرّقاب حتى تضع الحرب أوزارها، أي حتى ينزل عيسى بن مريم فيقتل الدّجّال، ويكسر الصّليب ويقتل الخنزير، وتضع الحرب أوزارها.
ذكروا عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين. ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق من ناوأهم إلى يوم القيامة" .
وتفسير الحسن: { حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أي: ذنوبها، أي: شركها. يريد قوله: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [البقرة:193] اي: حتى لا يكون شرك. هذا في مشركي العرب. وأما أهل الكتاب فإذا أقرّوا بالجزية قُبِلت منهم وكُفَّ عنهم القتال. كذلك جميع المشركين إلا مشركي العرب، إلا من كان دخل في أهل الكتاب منهم قبل أن يؤمر بقتال أهل الكتاب، حتى يسلموا أو يقرّوا بالجزية.
قال: { حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } وهذا في الأسرى. { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء }. لم يكن لهم حين نزلت هذه الآية إذا أخذوا أسيراً إلا أن يفادُوه أو يُمنّوا عليه فيرسلوه. وهي منسوخة؛ نسختها: { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } أي: عظ بهم من سواهم
{ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [الأنفال:57]. فإن شاء الإمام قتل الأسارى، وإن شاء جعلهم غنيمة، وإن شاء أفدى، وأما المنّ بغير فداء فليس له ذلك. قال بعضهم: لا ينتقم منهم له.
قال: { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ } يعني بغير قتال؛ يبتلى به المؤمنين والنبي عليه السلام. قال: { وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ } أي: يبتلي بعضكم ببعض.
قال: { وَالَّذِينَ قَتَلُوا } وهي تقرأ على وجه آخر: (قُتِلُوا) { فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي: فلن يحبط أعمالهم. { سَيَهْدِيهِمْ } تفسير الحسن: يحقق لهم الهدى { وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } وهي مثل الأولى. { وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }.
تفسير مجاهد: إنهم يعرفون منازلهم في الجنة إذا جاءوا إلى الجنة. وتفسير الحسن: يعرفون الجنة بالصفة التي وصفها الله لهم في الدنيا.