قال: { وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا
اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ } من ذكر وأنثى أم كل ذلك حرام فإنه لم يُحَرّم منه
شيء، يقول: أي كل هذا حرمت؟ فإني لم أحرّم منه شيئاً، ذكراً ولا أنثى.
قال الكلبي: يقول: إنما الأنعام كلها ثمانية أزواج، فمن أين جاء التحريم؟ من
قبل الذكرين أم من قبل الأنثيين. { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }. فسألهم النبي عليه
السلام. فسكتوا ولم يجيبوه. قال الله: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهَذَا } فقال ذلك
لهم النبي عليه السلام فقالوا: يا محمد: فبم هذا التحريم الذي حرّمه أباؤنا وآباؤهم
قبلهم؟ فقال الله للنبي عليه السلام: قل يا محمد لا أجد فيما أوحي إلي محرّماً....
إلى آخر الآية.
قوله: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهَذَا } بزعمكم أن الله حرّم هذا، أو
أمركم بهذا. أي: إنكم لم تكونوا شهداء لهذا ولم يوصكم الله بهذا.
ثم قال: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمِّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً } يقول: لا أحد أظلم منه.
{ لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } جاءه من الله { إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ } يعني
من يموت على شركه.
ثم قال: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } أي على
آكل يأكله أي لِما كانوا حرّموا على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
قال: { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } وهو المهراق، وأما دم في عرق أو مخالط
لحماً فلا. { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً } فيها تقديم: إلا أن يكون ميتة أو دماً
مسفوحاً أو فسقاً فإنه رجس؛ وإنما انتصب فسقاً لأنه تبع للكلام الأول: (لاَ أَجِدُ فِي مَا
أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ فِسْقاً). قوله:
{ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ } أي ما ذبحوا على أصنامهم.
قال: { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } أي فأكل من هذه الأشياء على
الاضطرار منه { فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
ذكروا عن محمد بن الحنفية أنه كان سئل عن الطحال والأسد والحرباء وأشباه
ذلك مما يكره فتلا هذه الآية: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً }....
ذكروا عن جابر بن عبد الله أنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر
الأهلية" وذكر عن الحكم الغفاري مثل ذلك، قال: وأبي البحر. قال عمرو بن دينار:
وأبي البحر، قلت: من البحر؟ قال: ابن عباس. قال: { قل لا أجد فيما أوحى إلي
محرماً }... إلى آخر الآية.
ذكر الحسن قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وألبانها" .
وقال بعضهم: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر إبقاء
على الظهر ولم يحرّمها تحريماً. وهذا يشد قول ابن عباس في قوله: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا
أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً }.
ذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع" .
وهذا
حديث شاذ ليس بالمجمع عليه. وقال: أهل المدينة: لا نعرف هذا الحديث.
ذكر قرة بن خالد قال: سألت الحسن عن السباع والضباع والضباب فقال: قد
أغنى الله عنها، كانت طعام هذه الرعاء. قلت: أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل
سبع ذي ناب فقال: لا والله، ما سمعنا بذلك.
وكان عبادة بن الصامت يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن أكل كل ذي ناب
من السباع وكل ذي مخلب من الطير" . ولم يجمع الناس على هذا الحديث. وقال ابن
أبي ذئب: هذا حديث لا يعرفه أهل المدينة.
قوله: { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } قال بعضهم: غير باغ في أكله ولا عاد، أي يتعدّى
حلالاً إلى حرام. وقال مجاهد: غير باغ على الناس ولا عاد يقطع عنهم السبيل.
ذكر الحسن قال: "إن رجلاً قال: يا رسول الله، متى تحرم عليّ الميتة. قال:إذا
رويت من اللبن وجاءت ميرة أهلك" .
ذكر عبد الله بن عون قال: دخلت على الحسن فإذا عنده كتاب فقال: هذا
كتاب سمرة لولده فإذا فيه يجزي من الضرورة أو من الضارورة صبوح أو غبوق.
ذكروا عن بعض السلف أنه قال: من اضطر فلم يأكل أو لم يشرب ومات دخل
النار.