خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٣٩
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٤٠
-التوبة

تفسير كتاب الله العزيز

{ إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أي موجعاً. قال الحسن: يعني به العامة الذين فرض عليهم الجهاد مع النبي عليه السلام. وكان الجهاد يومئذٍ مع النبي فريضة. وقد كان النبي يخلف قوماً بالمدينة، وفيهم من قد وضع عنه الجهاد. وكان هذا حين أمروا بغزوة تبوك [في الصيف حين طابت الثمار واشتهوا الظل] { وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } يقول: يهلككم بالعذاب ويستبدل قوماً غيركم { وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً } إن أهلككم { وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
وفي هذه الآية دليل على أهل الفراق أن هؤلاء الذين وعدوا بالعذاب ممن ناداهم الله بالإِيمان، وسماهم بما قِبَلهم من خصال الإِيمان كلما قيل المؤمنون فقال: { إِلاَّ تَنفِرُوا } أنتم الذين نودوا بالإِيمان وسموا به، { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } فلا يجوز لِوَاصِفٍ أن يصف الله أنه يعذبهم ـ إن لم ينفروا كما استنفرهم ـ وهم مؤمنون.
قال بعضهم: استنفر الله المؤمنين في شدة لَهَبَان الحرِّ في غزوة تبوك على ما يعلم من الجهد. وفيها قيل ما قيل.
قوله: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ } يعني النبي عليه السلام { فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي من مكة { ثَانِيَ اثْنَيْنِ } أي أخرجوه ثاني اثنين { إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا }.
وذلك أن قريشاً لما اجتمعوا في دار الندوة، فتوامروا بالنبي، أجمع رأيهم على ما قال عدو الله أبو جهل من قتله. وقد فسّرنا ذلك في سورة الأنفال.
فأوحى الله عزّ وجلّ إليه فخرج هو وأبو بكر ليلاً حتى انتهيا إلى الغار، ونام علي على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطلبه المشركون، فلم يجدوه. ووجدوا علياً على فراشه، فطلبوا الأثر. وقد كان أبو بكر دخل الغار قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار ينظر ما فيه، لئلا يكون في سبع أو حية، يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار، وأخذ ثمامة فوضعها على باب الغار، فجعلا يستمعان وقع حوافر دواب المشركين في طلبهما. فجعل أبو بكر يبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: أخاف أن يظهر عليك المشركون فيقتلوك يا رسول الله، فلا يعبد الله بعدك أبداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا }. فجعل أبو بكر يمسح الدموع عن خده" . وكان أبو بكر أرق الخلق كلهم وأحضره دموعاً.
{ فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } قال الحسن: السكينة: الوقار. وقال بعضهم: السكينة: الرحمة.
قال: { وَأَيَّدَهُ } أي وأعانه { بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } يعني الملائكة عند قتالهم المشركين بعد.
قال مجاهد: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ } يقول: فالله فاعل ذلك به، أي ناصره كما نصره إذ هو ثاني اثنين.
قال: { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى } وهي كلمة الكفر { وَكَلِمَةُ اللهِ } أي: ودين الله، وهو الإِيمان بلا إله إلا الله والعمل بفرائضه. { هِيَ العُلْيَا } أي: هي الظاهرة { وَاللهُ عَزِيزٌ } أي في نقمته { حَكِيمٌ } أي: في أمره.
قال بعضهم: { ثَانِيَ اثْنَيْنِ }: كان صاحبَه أبو بكر، والغار في جبل بمكة يقال له ثَوْر.