خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
٨٩
-يونس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالَ } الله { قَدْ أجِيبَتْ دَعْوتُكما } ويجوز أن يكونا جميعا يدعون، ولم يذكر إلا دعاء موسى، وقرئ دعواتكما بالجمع، قال ابن جريج: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة، أقامها فيهم بعد الدعاء، مسخ الله سكرهم، ودنانيرهم وأموالهم حجارة.
أوحى الله إلى موسى: أنى مورث بنى إسرائيل ما فى أيدى فرعون من العروض والحلى، وجاعله لهم جهازا وعمارا إلى الأرض المقدسة، فاجعل لذلك عيدا تعتكف أنت وقومك وتذكروننى فيه، وتظموننى، وتعبدوننى، لما أريكم من الظفر، ونجاة الأولياء، وهلاك الأعداء، وتستعيروا لعيدكم من آل فرعون الحلى، وأنواع الزينة، فإنهم لا يمتنعون عليكم بالبلاء النازل عليهم فى ذلك الوقت، ولما قذف فى قلوبهم من الرعب.
فاستعاروا فأعارهم فرعون وقومه ما فى خزائنهم، وفى أيدى أهليهم من الحلى كله، وأتم موسى الدعاء، فمسخ الله ما بقى فى أيديهم من مال ودنانير، ودراهم وخيل، ورقيق وزروع ونخل حجارة.
قال محمد بن كعب القرظى: كان الرجل مع أهله فى فراشه، فصارا حجرين، والمرأة قائمة تخبز صارت حجرا، وذلك من عبيدهم وإمائهم، لأنهم مال، وكما دعى موسى بطمس الأموال.
قال رجل من أهل الشام كان بمصر: رأيت نخلة مصروعة، وإنها لحجر، ورأيت إنسانا وما أشك أنه إنسان، وإنه لحجر، وكان ذلك الإنسان من الرقيق، ولم يبق لهم مال إلا مسخه الله تعالى، إلا ما فى أيدى بنى إسرائيل من الزينة.
قال محمد بن كعب: سألنى عمر بن عبد العزيز عن الآيات اللاتى أراهن الله عز وجل فرعون وقومه؟ فقلت: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد البيضاء، والطمث، وقلق البحر.
قال عمر: كيف يكون الفقيه إلا هكذا، ثم دعا بخريطة كانت فيها أشياء أصيبت لعبد العزيز بن مروان من بقايا مال فرعون، فأخرج البيضة مشقوقة نصفين وإنها لحجر، والجوزة مشقوقة وإنها لحجر، والحنطة والعدسة.
قال ابن عباس: أول الآيات العصا وآخرها الطمث، قال: بلغنا أن الدنانير والدراهم صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا، قال السدى: مسخ الله أيضا طعامهم حجارة.
{ فاسْتَقيما } دوما على الاستقامة فى الدين والدعوة، وإلزام الحجة، ولا تستعجلا، فإنما طلبتما واقع لوقته، داما أربعين سنة، فأهلك الله سبحانه وتعالى فرعون وقومه، وطمس مالهم، ولم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم وهو الغرق.
{ ولا تَتَّبعانِّ } لا ناهية، نهاهما عن الاتباع ولم يكونا اتبعا قط تأكيدا، والفعل مجزوما بحذف، ثم أكد بالنون الشديدة كسرت تشبيها بنون الرفع بعد ألف الاثنين، وبنون المثنى ولو كان فيها نونان، لأن الأولى مدغمة فكأن لم تكن، وكل منهما نون زائدة بعد ألف ليست من نفس الكلمة، واغتفر التقاء الساكنين، لأن الأول ألف لا يمكن تحريكه، ولو حذف لم يكن عليها دليل فى الخط، بل ولا فى اللسان، لأن النون تفتح من بعد حذف الألف، ولو حذفت مدغمة لالتبست الباقية بنون الرفع، ومن أجاز وقوع الخفيفة بعد الألف أجاز أن تكون هذه المدغمة نون الرفع على أن لا نافية، والواو حالية أو استئنافية، والمكسورة نون التوكيد كسرت على أصل التخلص من التقاء الساكنين مع التشبيه بنون يقومان، ونون الزيدان،.
وقرأ أبو عمرو فى رواية ابن ذكوان بتخفيف النون، على أنها نون الرفع، ولا نافية، وتشديد التاء، وقيل: هى نون التوكيد الخفيفة كسرت لالتقاء الساكنة، وتشبيها بنون يقومان والزيدان، ولا ناهية، وتلك الرؤية هى المشهورة عن أبى عمرو.
وروى بعض رجاله الذين يروون عنه أنه سكن التاء الثانية، وفتح الباء الموحدة، وشدد النون مكسورة، وروى بعضهم أنه قرأ بهذا الضبط، لكن خفف النون، وهى كما مر نون الرفع ولا نافية، والجملة حال أو مستأنفة، وعلى النفى فإنما ساغ التوكيد على القلة، وقاسه بعض، أو لأن هذا النفى فى معنى النهى، قالوا: وللعطف على هذا الوجه.
{ سَبيلَ الذَينَ لا يعْلَمونَ } فى الاستعجال، أو عدم الوثوق والسكون إلى وعد الله وهم الجهلة مطلقا، أو المشركون.