خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ
٥٢
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ويا قَومِ اسْتَغفرُوا ربَّكُم } من الشرك، بأن تتركوه وتوحدوا، والاستغفار طلب المغفرة، قد يكون باللسان، وقد يكون بعمل الخير، وترك الشر بالقلب والجارحة، وإنما فسرنا الاستغفار بترك الإشراك، لأنه إنما يطلب أولا التوحيد.
{ ثمَّ توبُوا إليْهِ } ارجعوا إليه بالطاعة له وحده، والتوبة إنما تصح بعد الإيمان، أو توسلوا إليه بالتوبة عقد فى ترك الشئ يتقدمه علم بفساد ذلك الشئ، وصلاح ما يرجع إليه، وأما الندم فرد المظالم ونحوها وهى شروط وتوابع، وقيل: الاستغفار ترك الشرك، والتوبة توبة عن الشرك، وعبادة غير الله وسائر الذنوب.
{ يُرسِل السَّماء عَليْكُم } يسمى المطر أو الماء باسم جهته وهو لفظ السماء، بمعنى سماء الدنيا، أو باسم محله وهو الجو الذى فوقنا، فإنه أيضا سماء، وذلك مجاز مرسل، ويجوز أن يقدر مضاف أى مطر السماء أو ماء السماء، فيكون لفظ السماء مجازا بالحذف.
{ مِدْراراً } صفة مبالغة كمضراب ومنجاز، أى كثير الدرور، أى متتابعا مرة بعد أخرى فى أوقات الحاجة، فتكثر أرزاقكم وأموالكم، ولم يؤنث مع أن السماء مؤنث، لأن مفعالا لا يؤنث، وأيضا المراد بالسماء المطر أو الماء، وهما مذكران، أو يقدر أحدهما وينوى كما مر، ورغبهم فى الإيمان بإدرار المطر، لأن بلادهم كانت مخصبة كثيرة الخير والنعم، وكانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات، وحرص على ذلك، وقد أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، فأجدبت بلادهم، وكانوا أحوج شئ إلى الماء، فأخبرهم هود أنهم إن آمنوا رد الله عليهم حال أرضهم، وكانوا أيضا مدلهين بقوة أبدانهم، وشدة بطشهم وشجاعتهم، فرغبهم فى الإيمان بالزيادة فيها إذ قال:
{ ويزِدْكم قُوةً إلى قُوَّتكُم } قاله مجاهد، وكانوا ميهيين فى كل ناحية، وقيل: أراد القوة فى المال، وقيل: القوة فى النكاح فيكثر نسلهم، وقيل: فى المال والولد، وقيل: قوة بالدين إلى قوتكم التى أنتم فيها بالدنيا، والظاهر العموم فى كل ما يحسن الله تعالى به إلى عباده.
وروى أن الله عقَّم أرحام نسائهم فى ثلاث سنين، فأخبرهم هود أنهم إن آمنوا أرسل الله عليهم المطر، وأعاد الأرحام كما كانت.
وفد الحسن بن على بن أبى طالب على معاوية، ولما خرج تبعه بعض حجابه فقال: إنى رجل ذو مال ولا يولد لى فعلمنى شيئا لعل الله يرزقنى ولدا، فقال له: عليك بالاستغفار، فأكثر منه حتى كان يستغفر فى يوم واحد سبعمائة مرة، فولد له عشرة أبناء، فبلغ ذلك معاوية، فقال: هلا سألته ممن قال ذلك؟ فوفد وفدة أخرى، فسأله الرجل فقال: ألم تسمع قول الله حكاية عن قول هود: { يزدكم قوة إلى قوتكم } وقول نوح:
{ { ويمددكم بأموال وبنين
}. { ولا تَتَولَّوا } تعرضوا، لعنادهم وعدم اعتدالهم بما جاءهم من المعجزات عن التوحيد والعمل الصالح، والإيمان برسالتى { مُجْرمينَ } مصرِّين على الإجرام والآثام، وهو حال، وقيل مشركين.